×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 هُمُ اليَهُودُ ([1]) فقالَ سُبْحَانَه: {قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [البقرة: 142] ، فَذَكَر مَا فِي النسخِ مِن تَعليقِ الأَمْرِ بِالمَشِيئةِ الإلهيَّةِ، ومن كونَ الأمرِ الثاني قَدْ يَكُونُ أصلَحَ وأَنْفَعَ، فقولُه: {يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [البقرة: 142] بيانٌ للأَصْلَحِ والأَنْفَعِ، وقولُه: مَن يَشَاءُ ردٌّ للأمْرِ إلى المَشِيئةِ.

وعَلَى بَعضِ ما فِي الآيةِ اعتمادُ جَميعِ المُتَكلِّمينَ حَيثُ قَالُوا: التكلِيفُ إمَّا تابعٌ لِمَحْضِ المَشِيئَةِ كَما يَقُولُه قَومٌ، أو تَابِعٌ للمَصْلَحَةِ كَمَا يَقُولُه قَومٌ، وعلى التقديرينِ فهُو جائِزٌ.

ثم إنَّه بَيَّنَ سُبحانَه وقُوعَ النَّسخِ بِتَحْرِيمِ الحَلاَلِ فِي التَّورَاةِ بأنَّه أَحَلَّ لإسرَائِيلَ أشياءَ ثُمَّ حَرَّمَها فِي التورَاةِ، وأنَّ هَذا كانَ تَحليلاً شَرعِيًا بِخِطَابٍ لم يَكُونُوا اسْتَبَاحُوه بِمُجَرَّدِ البَقَاءِ على الأَصْلِ حَتَّى لاَ يَكُونَ رَفْعُه نَسْخًا كما يَدَّعِيهِ قَومٌ مِنهُم، وأمرٌ بِطَلَبِ التورَاةِ فِي ذَلكَ وهَكَذَا وَجَدْنَاه فِيهَا كما حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُسْلِمَةُ أهلِ الكِتَابِ، وهكَذَا مُنَاظَرَةُ الصابئةِ الفَلاسِفَةِ وَالمُشْرِكِينَ ونَحْوِهِم، فَإنَّ الصَّابِئَ الفَيلسُوفَ إذَا ذَكَر مَا عِنْدَ قُدَمَاءِ الصَّابِئَةِ الفَلاسِفَةِ مِنَ الكَلامِ الذي عُرِّبَ وتُرجِمَ بالعربيَّةِ؛ فإنَّ ذِكْرَ ما لا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فِي مَسائِلِ الطبِّ والحِسَابِ ما غَايَتُه انتفاعٌ بِآثارِ الكُفَّارِ والمُنَافِقينَ فِي أُمُورِ الدنيا فهَذا جَائِزٌ كمَا يَجُوزُ السُّكْنَى فِي دِيَارِهِم ولبسِ ثِيَابِهِم وسِلاحِهِم، وكَمَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهم على الأرضِ كما عَامَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ خَيْبَرَ، وكَمَا «اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأَبُو بَكْرِ ابنُ أُرْيقِطٍ ([2])، وكانتْ خُزَاعَةُ عَيْبةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْلِمِهِم وكَافِرِهِم


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (399)، ومسلم رقم (540).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2263).