×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

فَإِذَا عَرَفَ القُرآنَ هذه المَعْرِفَةَ فالكلامُ الذي يُوَافِقُه أو يُخَالِفُه مِن كَلامِ أهلِ الكِتَابِ والصَّابِئينَ والمُشْرِكِينَ لاَ بُدَّ فِيه مِنَ الترجَمَةِ للفظِ والمَعْنَى أيضًا.

وَحِيْنَئذٍ فالقُرآنُ فيه تَفصيلُ كلِّ شَيءٍ، كما قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ [يوسف: 111] ، وقال: {وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ [النحل: 89] ، ومَعْلُومٌ أنَّ الأُمَّةَ مأمُورَةٌ بِتَبْلِيغِ رِسَالةِ اللهِ إلاَّ كَذَلِكَ، وأنَّ تَبْلِيغَهُ إلى العَجَمِ قد يَحْتَاجُ إلى تَرْجَمَةٍ لَهُم فَيُترجَمُ لهم بِحَسَبِ الإمكانِ، وإذا كَانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ أكْثَرَ المُسلِمِينَ، بل أكثرُ المُنْتَسِبينَ منهم إلى العِلْمِ لا يَقُومُونَ بِتَرْجَمَةِ القُرآنِ وتَفْسِيرِهِ وبَيَانِهِ؛ فلأن يعجِزَ غيرُهم عَنْ تَرجَمَةِ ما عِندَه وبَيَانِه أولَى بذلكَ؛ لأنَّ عقلَ المُسلمينَ أكمَلُ وكِتَابُهم أقوَمُ قِيلاً، وأَحْسَنُ حَدِيثًا ولُغَتُهم أوسَعُ، لا سِيَّمَا إذا كَانَتْ تِلكَ المَعَانِي غَيرُ مُحقَّقَةٍ بَل فِيها بَاطِلٌ كَثِيرٌ؛ فإنَّ تَرجَمَةَ المَعَانِي الباطِلَةِ أصعَبُ لأنه ليسَ لهَا نَظِيرٌ مِن الحَقِّ مِن كُلِّ وَجْهٍ.

فَإِذَا سُئِلنَا عن كَلامٍ يَقولُونَهُ: هل هُو حَقٌ أو بَاطِلٌ؟ ومِن أَينَ يَتَبَيَّنُ فِيه الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ؟ قُلنا: مِنَ القَولِ بالحُجَّةِ والدَّليلِ؛ كَمَا كَانَ المْشُركُونَ وأهلُ الكِتابِ يَسألونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن مَسَائِلَ أو يُنَاظِرُونَه، وكما كانتِ الأُمَمُ تُجَادِلُ رُسُلَها؛ إذ كَثِيرٌ مِن الناسِ يَدَّعِي مُوَافَقَةَ الشريعَةِ للفَلْسَفَةِ، كما يَقُولُ الذينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ على الرَّسُولِ ومَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِه، ويَقُولُونَ: ما أَرَدْنَا إلاَّ الإِحْسَانَ والتوفِيقَ بينَ الشَّرِيعَةِ والفَلْسَفَةِ، فإنَّهم قَالوا: العُقُولُ والنُّفوسُ عِندَ الفَلاسِفَةِ هِيَ المَلائِكَةُ عِندَ الأنْبِيَاءِ وليسَ كَذَلِكَ؛ فإنَّ اسمَ المَلائِكَةِ يَتَضَمَّنُ أنَّهم رُسُلُ


الشرح