الجِنُّ لِيَكُونُوا عَابِدينَ للشيَاطِينِ
الَّتِي تَتَمَثَّلُ لهم كَمَا يَكُونُ للأَصْنَافِ شَيَاطِينُ، وكما تَنْزِلُ
الشياطينُ على بعضِ مَن يَعْبدُ الكواكبَ ويَرْصُدُها حَتَّى تَنْزِلَ عليهِ
صُورةٌ فَتُخَاطِبُه وهو شيطَانٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، ولهم قالَ: {أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ
إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٠ وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١﴾ [يس: 60- 61] ، وقال: {أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ
أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا﴾ [الكهف: 50] فهُم وإِنْ لَم يَقصِدوا عِبَادَةَ
الشيطانِ ومُوَالاتِه ولكنَّهُم فِي الحَقِيقةِ يَعْبُدُونَه ويُوالُونَه فقد
تَبَيَّنَ أنَّ هَؤلاءِ الفَلاسِفَةِ الصَّابِئَةِ المُبْتَدِعَةِ مُؤمِنونَ
بِقليلٍ ممَّا جاءتْ بِه الرُّسُلُ فِي أمرِ المَلائِكَةِ فِي صِفَتِهم وأقْدَارِهِم،
وذلك أنَّ هَؤُلاءِ القَومَ إنَّمَا سَلَكُوا سَبِيلَ الاسْتِدلاَلِ بالحَرَكَاتِ
الفَلَكِيَّةِ والقِياسِ على نُفُوسِهِم مع مَا جَحَدُوه وجَهِلُوه مِن خَلْقِ
اللهِ وإبْدَاعِه، وسببُ ذلك - أي: إيمَانُهم بِبَعْضِ مَا جَاءَتْ بِه الرُّسُلُ
- ما ذكَرَهُ طائِفَةٌ مِمَّن جمَعَ أخْبَارَهُم أَنَّ أسَاطِينَهُم الأوائلَ
كفيثَاغورثَ وأفْلاَطونَ كانُوا يُهَاجِرون إلى أرضِ الأنْبِيَاءِ بالشَّامِ
ويتلقَّونَ عن لُقْمَانَ الحَكِيمِ ومَنْ بَعْدَه مِن أَصْحَابِ دَاودَ
وسُلَيمَانَ، وأنَّ أرِسطو لَمْ يُسافِرْ إِلَى أرضِ الأنْبِيَاءِ ولَمْ يَكُنْ
عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ بأثَارَةِ الأنْبِيَاءِ ما عندَ سلفِهِ، وكانَ عِندَهُ
قليلٌ مِن الصابِئِيَّةِ الصحيحةِ فابْتَدعَ لَهُم هذهِ التعاليمَ القِيَاسيةَ،
وصارتْ قَانُونًا مَشَى عليهِ أَتْبَاعَه، واتَّفَقَ أنه قَد يَتَكَلَّمُ فِي
طَبَائِعِ الأجسامِ أو في صُورةِ المَنْطِقِ أحْيَانًا بِكَلامٍ صَحيحٍ.
وأمَّا الأَوَّلُونَ - يَعْنِي
مِن الفَلاسِفَةِ - فَلَم يُوجَدْ لَهم مَذْهَبٌ تامٌّ مُبْتَدَعٌ بمَنزِلَةِ
مُبتدَعةِ المُتَكلِّمينَ فِي المُسلِمينَ، مثلُ أَبِي الهُذَيلِ وهِشامِ بنِ
الحَكَمِ ونَحْوِهِما مِمَّن وضَع مَذهبًا فِي أَبوابِ أُصُولِ الدِّينِ فاتَّبَعه
على