على سَلامَةِ قُلُوبِهم مِن الإراداتِ
المَذمُومَةِ ويَقْتَرِنُ بِهم كَثِيرًا عَدَمُ المعرفَةِ وإدْرَاكُ حقائقِ
أحوَالِ الخَلقِ التي تُوجِبُ الذمَّ للشرِّ والنَّهيَ عنه والجِهَادَ فِي سبيلِ
اللهِ، وأهلُ التعمُّقِ فِي العُلُومِ قَد يُدرِكُونَ مِن معرفةِ الشُّرورِ
والشُّبُهَاتِ ما يُوقِعُهم فِي أَنْوَاعِ الغَيِّ والضَّلاَلاتِ، وأصحابُ محمَّدٍ
كَانُوا أبرَّ الخَلْقِ قُلوبًا وأعْمَقَهُم عِلمًا.
ثُمَّ إنَّ
أكثرَ المُتَعَمِّقينَ فِي العِلمِ مِنَ المُتَأَخِّرينَ يَقْتَرِنُ بتعمُّقِهم
التكلُّفُ المَذمومُ مِنَ المُتَكلِّمينَ والمُتَعبِّدينَ وهو القولُ والعَمَلُ
بِلا عِلمٍ وطَلَبُ ما لا يُدرَكُ، وأصحابُ محمَّدٍ كانُوا معَ أنَّهُم أكملُ
الناسِ عِلمًا نَافِعًا وعَمَلاً صَالِحًا أقلَّ الناسِ تَكَلُّفًا، يَصْدُرُ عَن
أَحَدِهِم الكلِمَةُ والكَلِمَتَانِ مِنَ الحِكْمَةِ أو مِنَ المَعَارِفِ ما
يَهْدِي اللهُ به أمةً، وهذا مِنْ مِنَنِ اللهِ عَلَى هَذِه الأُمَّةِ، وتَجِدُ
غَيْرَهُم يَحْشُونَ الأَوْرَاقَ مِن التكلُّفَاتِ والشَّطَحَاتِ ما هُو مِن
أَعْظَمِ الفُضُولِ المُبْتدَعَةِ والآرَاءِ المُخْتَرَعَةِ لم يَكُن لَهُم فِي
ذَلكَ سَلَفٌ إلاَّ رُعُونَاتُ النفوسِ المُتَلقَّاةُ مِمَّن ساءَ قَصْدُه فِي
الدِّينِ.
ويُروَى «أنَّ
اللهَ سبحانَهُ قالَ للمَسِيحِ: إِنِّي سَأَخْلُقُ أُمَّةً أُفَضِّلُهَا عَلَى
كُلِّ أُمَّةٍ وَلَيْسَ لَهَا عِلمٌ ولا حِلْمٌ، فَقَالَ المَسِيحُ: أَيْ ربِّ!
كَيفَ تُفَضِّلُهم عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ ولَيْسَ لَهُم عِلْمٌ ولاَ حِلْمٌ؟ قال:
أَهَبُهُم مِنْ عِلْمِي وَحِلْمِي ([1]).
وهَذا مِن خَواصِّ مُتابَعَةِ الرسُولِ فَأَيُّهم كانَ له اتَّبعَ كانَ فِي ذَلكَ أكمَلَ، كما قال تَعَالَى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ
([1])أخرجه: الطبراني في «الأوسط» رقم (3252).
الصفحة 4 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد