النَّاسِ بِه
أعلمَ الخَلْقَ بِذلِكَ، وأَنْ يَكُونَ أَعظَمُهم مُوافَقَةً له واقْتِدَاءً به
أفضلُ الخَلْقِ، ولا يُقَالُ: هذهِ الفِطرةُ يُغَيِّرُها ما يُوجَدُ فِي
المُنْتَسبينَ إلى السُّنَّةِ والحديثِ مِن تَفريطٍ وعُدْوَانٍ؛ لأنه يُقالُ:
إِنَّ ذَلِكَ فِي غَيرِهِم أكثرُ، والواجبُ مُقابلةُ الجُملةِ بالجُملَةِ في
المَحمُودِ والمذمومِ، هذه هِيَ المُقَابَلَةُ العَادِلَةُ، وإنما غيرُ الفِطرَةِ
قِلَّةُ المَعْرِفَةِ بالحَديثِ والسُّنَّةِ واتباعِ ذلك معَ مَا يُوجَدُ فِي
المُخَالِفينَ لها مِن نَوعٍ تَحْقيقٍ لِبَعْضِ العِلمِ وإحْسانٍ لِبعضِ العَمَلِ
فَيَكُونُ ذلك شُبهةٌ فِي قَبُولِ غَيرِهِ وتَرجِيحِ صَاحِبهِ.
ولاَ غَرَضَ لنا فِي ذِكرِ الأشْخَاصِ وإنَّمَا المَقصُودُ ذِكرُ نَفسِ الطَّرِيقةِ العِلمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ التي تُعرفُ بِحَقائقِ الأُمُورِ الخَبَرِيَّةِ النظريَّةِ؛ فَمَتَى كانَ غَيرُ الرسُولِ قَادرًا على عِلمٍ بذلِكَ أو بيانٍ له مَحبةُ لإفادةِ ذلكَ فالرسُولُ أعلمُ بذلكَ وأحْرَصُ على الهُدَى وأقْدَرُ على بَيَانِه مِنه، وكَذلك أصْحَابُه مِن بَعدِه وأتْبَاعِهم، وهَذِه صِفَاتُ الكَمَالِ والعِلْمِ والإِرَادَةِ والإِحْسَانِ والقُدرةِ عليهِ؛ كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ» ([1]) فعلَّمَنا صلى الله عليه وسلم أن نَسْتَخِيرَ اللهَ بعمَلِه فيعلِّمُنا مِن عِلمِه ما نَعْلَم بِه الخَيرَ، ونَسْتَقدِرُهُ بقدرتِه فَيَجْعَلُنا قَادِرينَ؛ إذ الاسْتِفعَالُ هو طَلَبُ الفِعلِ كما قَال في الحديثِ الصحيحِ «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ» ([2])، فَاسْتِهداءُ اللهِ طَلَبٌ أن يَهْدِيَنَا واسْتِطْعَامُهُ طَلَبٌ أَنْ يُطْعِمَنَا، هَذا قُوتُ القُلُوبِ، وهَذا مِنْ قُوتِ
([1])أخرجه: البخاري رقم (1162).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد