والوجهُ
الثانِي: أنَّ هَذَا الضَّربَ الذي قُلتُ: «إنَّه
لا يِتَحَاشَى مِنَ الحَشْوِ: التشبيهُ والتجسِيمُ»؛ إما أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ
مُثبِتةِ الصفاتِ الخَبَرِيَّةِ التي دَلَّ عليها الكتابُ والسنَّةُ، أو لا
تُدخِلُهم؛ فإنْ أَدخَلْتَهُم كُنتَ ذَامًّا لِكُلِ مَن أَثبتَ الصِّفَاتِ
الخَبَرِيَّةِ؟ ومَعلومٌ أنَّ هذا مَذهبُ عامَّةِ السَّلَفِ ومَذهَبُ أَئِمَّةِ
الدينِ، بل أَئِمَّةِ المُتكلِّمِينَ يُثْبِتُون الصِّفاتِ الخَبريَّةِ فِي الجُملَةِ.
فَإِذا كُنتَ
تَذُمُّ جَمِيعَ أهلِ الإثْبَاتِ مِن سَلَفِكَ وغَيرِهم لَم يَبْقَ مَعَك إلاَّ
الجَهْمِيَّةُ، ومَن وافَقَهُم عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ الخَبَرِيَّةِ مِن
مُتَأَخِّرِي الأَشْعَرِيَّةِ ونَحْوِهِم؛ فأيُّ ذَمٍّ لِقَومٍ في أنهم لا
يَتَحَاشُونَ مِمَّا عَلَيهِ سَلَفُ الأُمَّةِ وأَئِمَّتُها وأَئِمَّةُ الذَّامِّ
لهم؟ وإن لم تَدْخُلْ في اسمِ الحَشَويَّةِ مَن يُثْبِتُ الصِّفَاتِ الخَبَرِيَّةِ
لم يَنْفَعْكَ هذا الكلامُ!
وإذا كانَ
الكَلامُ لا يَخْرُجُ به الإِنْسَانُ عَن أَنْ يَذُمَّ نفسَهُ أو يَذُمَّ سلَفَهُ
الذينَ يُقِرُّ هو بإمَامَتِهِم، وأنهم أَفْضَلُ مِمَّن اتَّبَعَهم؛ كان هُو
المذمومَ بِذا الذمِّ على التقدِيرَينِ، وكانَ له نَصِيبٌ مِنَ الخَوارِجِ الذينَ
قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأوَّلهم: «لَقَدْ
خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» ([1]) يَقولُ: إذا كُنتَ مُقِرًّا بأنِّي رسولُ اللهِ وأنتَ
تَزْعُمُ أَنِّي أَظْلِمُ فأنْتَ خَائِبٌ وخَاسِرٌ!
وهكَذَا مَنْ
ذَمَّ مَن يُقِرُّ بأنَّهم خِيارُ الأُمَّةِ وأفضَلُها، وأَنَّ طَائِفَتَهُ إنما
تَلَقَّتِ العِلمَ والإيمَانَ منهُم، هُو خَائِبٌ خَاسِرٌ فِي هَذَا الذَّمِّ،
وهذهِ حَالُ الرَّافِضَةِ فِي ذَمِّ الصَّحَابةِ.
الوجهُ الثالثُ: قولُهُ: «والآخَرُ تَسَتَّرَ بِمَذْهَبِ السَّلَفِ»؛ إن أَرَدْتَ بِالتَّسَتُّرِ الاستخفاءُ بمذهَبِ السلفِ فَيُقَالُ: لَيسَ مَذهَبُ السَّلَفِ مِمَّا يُتَسَتَّرُ
([1])أخرجه: البخاري رقم (3414)، ومسلم رقم (1064).
الصفحة 4 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد