×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 العِلمِ والإيمَانِ هو ما اسْتَفَادُوه مِن نَبِيِّهِم صلى الله عليه وسلم الذي أخرَجَهُم اللهُ به مِن الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وهَدَاهم به إلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ، الذي قالَ اللهُ فيه: {هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ ِ [الحديد: 9] .

ثُمَّ بيَّن الشيخُ أنَّ هؤلاءِ الذينَ تَركُوا ما عِندَ السَّلفِ مِن العِلمِ والإيمانِ قد سَلَكُوا مَسْلَكَ المَلاحِدَةِ الذينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ لم يُبَيِّنِ الحَقَّ في بابِ التوحيدِ! ولا يُبيِّنْ للنَّاسِ ما هُو الأَمرُ عليهِ فِي نَفْسِه، بل أَظهَر للنَّاسِ خِلافَ الحَقِّ، والحقُّ إمَّا كتَمَه وإما أنه كَانَ غَيرَ عَالِم ٍبه، فإنَّ هَؤُلاءِ المَلاحِدةِ مِن المُتَفلسِفَةِ ومَن سَلكَ سَبِيلَهُم مِن المُخَالِفينَ لِمَا جاءَ بهِ الرَّسولُ فِي الأُمورِ العِلمِيَّةِ كالتوحيدِ والمَعَادِ وغيرُ ذَلكَ، يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ أَحْكَمَ الأُمورَ العِلمِيَّةَ المُتَعَلِّقةَ بالأخلاقِ والسياسةِ المَنزِلِيَّةِ والمَدَنِيَّةِ، وأتَى بِشَرِيعَةٍ عِلميَّةٍ هي أَفضلُ الشرائعِ، ويَعْتَرِفُونَ بأنَّه لم يَقْرعِ العالَمَ ناموسٌ أفضلَ مِن نامُوسِه ولا أكْمَلَ مِنه؛ فَإنَّهم رَأوا حُسْنَ سِيَاسَتِه للعَالَمِ وما أقَامَه مِن سُنَنِ العَدْلِ ومَحاه مِن الظُّلمِ.

وأما الأُمورُ العِلميَّةُ التي أَخْبرَ بها مِن صِفاتِ الربِّ وأَسْمَائِه ومَلائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ والجنةِ والنارِ فلمَّا رأوها تُخَالِفُ ما هُم عليه صَارُوا في الرسولِ فَريقينِ: فَغُلاتُهم يَقُولونَ: إنَّه لَم يَكُنْ يَعْرِفُ هذه المَعَارفِ، وإنَّما كانَ كَمَالُه فِي الأُمورِ العَمَلِيَّةِ والعِبَادَاتِ والأخلاقِ، وأما الأُمورُ العلميَّةُ فالفَلاسِفَةُ أَعْلَمَ بِها مِنه، بل ومِن غَيرِهِ مِنَ الأَنبياءِ! وهؤلاء يَقُولونَ: إِنَّ عليًّا كانَ فَيلَسُوفًا وكانَ أَعْلَمَ بالعِلْمِيَّاتِ مِن مُوسَى، وكثيرٌ مِنهم يُعَظِّمُ فِرعونَ ويُسَمُّونَه أفَلاطونَ القِبطيَّ، ويَدَّعُونَ أنَّ صاحِبَ مَدينَ الذي تَزَوَّجَ مُوسَى ابنَتَه - الذي يقولُ بعضُ النَّاسِ إنه شُعيبٌ -


الشرح