×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 مُخْتَلِفينِ ولا يُفَرِّقُ بينَ مُثَمَاثِلينِ، كما قال: {أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ [الجاثية: 21] ، وقال: {أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ [ص: 28] ، وقال تعالى: {أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ [القلم: 35] ، وقال: {وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ ١٩ وَلَا ٱلظُّلُمَٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ ٢٠ [فاطر: 19- 20] الآية، وغَيرُ هَذا كَثِيرٌ، وقولُهُ: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ [الأعراف: 157] الآيةَ.

فَدَلَّتْ هذه الآيةُ وغَيرُها علَى أنَّ مَا أَمَرَهُم به مَعرُوفٌ فِي نَفْسِه تَعْرِفُهُ القُلُوبُ فَهُو مُنَاسِبٌ لها مُصْلِحٌ لِفَسَادِها، لَيْسَ مَعنى كَونِه مَعرُوفًا أنه مَأمُورٌ بِه؛ إذ هذا قَدرٌ مُشْتَرَكٌ، فَعَلِم أَنَّ ما يَأْمُر بِه الرَّسُولُ مُخْتَصٌّ وما نَهَى عنه مُختَصٌّ بأنه مُنكَرٌ مَحْذورٌ، وما يُحِلُّه مُخْتَصٌّ بأنه طَيبٌ وما يُحَرِّمُه مُخْتَصٌّ بأنه خَبِيثٌ، ومثلُ هَذا كَثيرٌ فِي القُرآنِ وغيرِه مِن الكُتُبِ كَالتَّورَاةِ والإنْجِيلِ والزَّبُورِ، واللهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، انتهى كَلامُ الشيخِ رحمه الله .

ومَقْصُودُه به الرَّدُّ عَلَى الذينَ يُنْكِرُونَ الحِكْمَةَ والتعليلَ فِي أَفْعَالِ اللهِ تَعَالى وأوَامِرِه ونَوَاهِيهِ، ويَقُولُونَ: إنه يَفْعَلُ ويَأمُرُ ويَنْهَى بِالمَشِيئَةِ المُجَرَّدَةِ، وهَذَا القولُ ضَلالٌ وبَاطِلٌ؛ فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى حَكِيمٌ عَلِيمٌ يَفْعَلُ ويَأمُرُ ويَنْهَى لِحْكَمَةٍ بَالِغَةٍ قَد تَظْهَرُ لَنَا وقَد لا تَظْهَرُ، وأَصْحَابُ هَذا القَولِ يُرِيدُونَ الردَّ على القَائِلينَ إِنَّ اللهَ يَجِبُ عَليهِ فِعلُ الأَصْلَحِ! وكِلا الطَّائِفَتَيْنِ ضَالَّةٌ عَن سَوَاءِ السبيلِ، والحَقُّ مَا دَلَّ عَليهِ الكتَابُ والسنَّةُ فِي ذَلكَ وغيرِهِ.

****


الشرح