×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 قَصَد أَنْ يَجْعَلَ مَا قَالُوه تَبَعًا له؛ فإنْ وَافَقَهُ قَبْلَهُ وإلاَّ رَّدهُ وتَكَلَّف لَه مِن التحريفِ مَا يُسَمِّيهِ تَأْوِيلاً، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ بالضَّرُورَةِ أَنَّ كَثيرًا مِن ذَلكَ أو أَكْثَرَهُ لَم تُرِدهُ الأَنْبِيَاءُ؛ فهُو مُحَرِّفٌ للكَلِمِ عَن مَواضِعِه لا طَالِبٌ لِمَعْرِفَةِ التأويلِ الذي يَعْرِفُهُ الراسِخُونَ في العِلمِ.

النوعُ الثَّاني: ما لَيسَ مَنْقُولاً عَنِ الأَنْبِيَاءِ فَمَنْ سِوَاهُم؛ لَيسَ مَعْصُومًا، فَلا يُقَبلُ كَلامُه ولا يُرَدُّ إلاَّ بَعدَ تَصَوُّرِ مُرَادِه ومَعْرِفَةِ صَلاحِهِ مِن فَسَادِه.

فمَن قَال مِن أَهلِ الكَلامِ: إنَّهُ - أي اللهُ - لا يَفْعَلُ الأَشْيَاءَ بِالأَسْبَابِ بل يَفْعَلُ عِنْدَها لا بِهَا، ولا يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ ولا في الأفْعَالِ المأمُورِ بها ما لأَِجْلِه كَانَتْ حَسَنةٌ، ولا المَنْهِيِّ عنها ما لأجْلِه كَانَتْ سَيِّئَةٌ؛ فَهَذا مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ القُرآنِ والسنَّةِ وإجْمَاعِ الأُمَّةِ مِنَ السَّلَفِ، وأوَّلُ مَن قَالَهُ فِي الإِسْلامِ جَهمُ بنُ صَفوانَ الذي أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى ضَلالِه؛ فإنه أوَّلُ مَن أَنْكَرَ الأَسْبَابَ والطَّبَائِعَ كما أنه أَوَّلُ مَن ظَهَر عَنه القولُ بِنَفْيِ الصفَاتِ وأوَّلُ مَن قَال بِخَلْقِ كَلامِ اللهِ وإنكَارِ رُؤيَتِه فِي الآخِرةِ، ونُصوصُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ فِي إبطالِ هَذا كَثيرةٌ جِدًا كَقَولِه: {قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ [الأنبياء: 69] ، فسلب النار طبيعتها، وقوله: {لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا [النبأ: 15] ، وقوله: {حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا [الأعراف: 57] ، فَأخْبَرَ أنَّ الرياحَ تُقِلُّ السحَابَ؛ أي: تَحْمِلُه، فَجَعَلَ هَذا الجَمَادَ فاعلةً بطبعها، وقوله: {فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ [لقمان: 10] ، وهو الكثيرُ المنفَعَةِ، والزوجُ الصِّنفُ، والأَدِلَّةُ فِي ذَلكَ كَثِيرةٌ يُخْبِرُ فيها أنه يَخْلُقُ بالأَسْبَابِ والحِكَمِ، وأَخْبَرَ أنه قائِمٌ بِالقِسطِ وأنه لا يَظْلِمُ الناسَ شَيئًا فلا يَضَعُ شَيئًا في غيرِ مَوضِعِهِ ولا يُسَوِّي بينَ


الشرح