×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

والعَجَبِ، وقولِهم: إنَّ ذلكَ يُحمَلُ على ظَاهِرِه، قال الشيخُ إنَّ الحَنَابِلةَ إنما تَنَازَعوا فِي المَسائلِ الدقيقةِ أما الأصولُ الكِبَارُ فَهُم مُتَّفِقُونَ عَلَيها، ولِهَذا كَانُوا أقلَّ الطَّوَائِفِ تَنَازُعًا وافْتِرَاقًا لِكَثْرةِ اعْتِصَامِهم بالسُّنَّةِ والآثَارِ؛ لأنَّ للإِمَامِ أحْمَدَ فِي بَابِ أصولِ الدِّينِ مِنَ الأَقْوَالِ المُبَيَّنَةِ لِمَا تَنَازَعَ فيه الناسُ ما لَيْسَ لِغَيرهِ، وأقوالُه مُؤيَّدةٌ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ واتِّباعِ سبيلِ السَّلَفِ الطيِّبِ، ولِهَذَا كانَ جَميعُ مَن يَنْتَحِلُ السنَّةَ مِن طَوَائِفِ الأمَّةِ وَفُقَهَائِها وَمُتَكَلِّمَتِها وصُوفيَّتِهَا يَنتَحِلُونَه.

ثم قد يَتَنازَعُ هَؤُلاءِ فِي بَعضِ المَسَائِلِ؛ فإنَّ هذا أمرٌ لا بُدَّ منهُ فِي العَالَمِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَد أَخْبرَ أنَّ هذا لا بُدَّ مِن وُقُوعِه، وأنه لَمَّا سألَ رَبَّهُ أن لا يُلْقِيَ بَأسْهَمُ بَينَهُم منعَ ذلك ([1])فلا بُدَّ فِي الطَّوائفِ المُنتَسبةِ إلى السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مِن نَوعِ تَنَازعٍ، لكن لا بُدَّ فِيهِم مِن طَائِفَةٍ تَعْتَصِمُ بالكِتَابِ والسنَّةِ، كَمَا أنه لا بُدَّ أن يَكُونَ بَينَ المُسلِمينَ تَنازعٌ واختِلافٌ، لكنَّه لا يَزَالُ فِي هذهِ الأُمَّةِ طائِفةٌ قائِمَةٌ بالحَقِّ لا يَضُرُّها مَن خَالَفَها ولا مَن خَذَلَها حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

 ولِهَذا لما كانَ أبُو الحَسَنِ الأشعريُّ وأصحَابُهُ مُنْتَسِبينَ إلى السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كان مُنْتَحِلاً للإمَامِ أحمدَ ذَاكِرًا أنه مُقْتَدٍ به مُتَّبِعِ لِسَبيلِهِ.

وقَصَدَ الشيخُ رحمه الله بأَصْحَابِ أبِي الحَسَنِ المُنْتَسِبينَ إلى السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مَن وَافَقَ أبَا الحَسَنِ على رُجُوعِه عَن مَذْهَبِه الأوَّلِ إلى مَذهَبِ الإمامِ أحمدَ فِي الصِّفَاتِ، أما الذينَ بَقُوا على مَذهَبِ الأَشْعَرِيِّ القديمِ الذي رجَع عنه فهَؤُلاءِ لَيسُوا مِن أَهلِ السُّنَّةِ، بل هم مُخَالِفونَ لأهلِ السُّنَّةِ، وهذا المَذهَبُ المُخَالِفُ هو ما عَليهِ الأَشَاعِرَةُ اليومَ فِي العَالَمِ الإسلامِيِّ.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2890).