×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ثم قال الشيخُ رحمه الله في ردِّه على ابْنِ الجَوزِيِّ:

الوجهُ الثاني: أنَّ أبا الفَرَجِ مُتَنَاقِضٌ فِي هذا البَابِ لم يَثْبُتْ عَلَى قَدَمِ النفِي ولا علَى قَدَمِ الإثْبَاتِ، بل له مِنَ الكَلامِ فِي الإثْبَاتِ نَظْمًا ونَثرًا ما أَثْبَتَ بِه كثيرًا مِنَ الصِّفَاتِ التي أنَكْرَها فِي هذا المُصَنَّفِ.

الوجهُ الثالثُ: أنَّ بابَ الإثْبَاتِ لَيْسَ مُختَصًا بالحَنْبَلِيَّةِ ولا فيهم مِنَ الغُلُوِّ ما فِي غَيرِهِم، بل مَنِ اسْتَقْرَأ مَذَاهَبَ الناسِ وجَدَ فِي كُلِّ طَائِفةٍ مِن الغُلاةِ فِي النفيِ والإثْبَاتِ ما لا يُوجَدُ مثلُه فِي الحَنْبَلِيةِ، ووَجَد مَن مالَ منهم إلى نَفْيِ بَاطِلٍ، وكانَ عِلمُ الإمامِ أحمدَ وأتباعِه مِن الكَمَالَ والتَّمَامِ على الوَجْهِ المَشْهُورِ بَينَ الخَاصِّ والعَامِّ مِمَّن له بالسُّنَّةِ وأهلِهَا نَوعُ إِلْمَامٍ، وأما أهلُ الجَهْلِ والضَّلالِ الذينَ لا يَعْرِفُونَ ما بَعَثَ اللهُ به الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ولا يُمَيِّزونَ به صحيحَ المَنقُولِ وصَرِيحَ المَعقُولِ وبَيْنَ الرِّواياتِ المَكذُوبَةِ والآرَاءِ المُضْطربةِ فأوُلئكَ جَاهِلُونَ قَدرَ الرسُولِ والسابِقينَ الأوَّلِّينَ مِنَ المُهَاجِرينَ والأنْصَارِ الذينَ نَطَقَ بِفَضْلِهم القُرآنُ، فَهُم بِمَقادِيرِ الأَئِمَّةِ المُخَالِفينَ لِهَؤُلاءِ أولى أن يَكُونُوا جَاهِلينَ؛ إذ كانُوا أَشْبَهَ بِمَن شَاقَّ الرسُولَ واتَّبعَ غَيرَ سَبيلِ المُؤْمِنينَ مِن أَهْلِ العِلمِ والإيمَانِ، وهُم فِي هَذهِ الأحْوَالِ أقربُ إلى الكُفرِ مِنهم للإيمَانِ، تَجِدُ أَحَدَهُم يتكلَّمُ فِي أُصولِ الدِّينِ وفُرُوعِهِ بِكَلامِ مَن كأنه لم يَنْشَأْ فِي دَارِ الإسلامِ، ولا سَمِعَ ما عَلَيهِ أهلُ العِلمِ والإيمَانِ، ولا عَرَفَ حَالَ سلفِ هذهِ الأمَّةِ وما أُوتُوه مِن كَمَالِ العُلومِ النافِعةِ والأَعْمَالِ الصَّالَحِةِ، ولا عُرِفَ مِمَّا بعثَ اللهُ نبيَّهُ ما يَدُلُّه عَلَى الفَرقِ بينَ الهُدى والضَّلالِ والغَيِّ والرَّشَادِ.


الشرح