ثُمَّ بَيَّن رحمه الله أنَّ طَريقَ النَّجاة من العَذَاب
الأليم هُوَ الرِّواية والنَّقل، وأَنَّ العقلَ وَحْده لا يَكْفي، فَكَما أنَّ
نورَ العين لا يَرَى إلاَّ مع ظُهُور نورٍ قُدَّامه، فَكذَلِكَ نُورُ العَقْل لا
يَهْتدي إلاَّ إِذَا طَلَعتْ عَلَيْه شَمْسُ الرِّسَالة، وقَدْ أَتمَّ اللهُ
النِّعمَة عَلَى الأُمَّة، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ
ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا
تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ
تَهۡتَدُونَ ١٥٠ كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ
عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ
وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ ١٥١ فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا
تَكۡفُرُونِ ١٥٢﴾ [البقرة:
150- 152] .
وَذَكَرَ رحمه
الله آيَاتٍ كَثيرَةً فِي هَذَا المَعْنى، وَذَكَر عن جَمْعٍ من العُلَماء أَنَّ
الحِكْمةَ هي سُنَّة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم .
ثُمَّ بَيَّن
رحمه الله أَنَّه لَمَّا كَانَ القرآنُ مُتَميزًا بنَفْسه لإعْجَازه وكَوْنه
مَنْقولاً بالتَّواتر، لَمْ يَطْمع أحدٌ فِي تَغْيير ألفاظِهِ وحُرُوفه، وإنَّما
حَاوَل الشَّيطانُ إدْخَال التَّحريف والتَّبديل فِي مَعَانيه بالتَّغْيير
والتَّبديل وَطَمع أنْ يدخلَ فِي الأَحَاديث من النَّقْص والازْديَاد ما يضلُّ
بَعْض العِبَادِ، فأَقَامَ اللهُ تَعالَى الجَهابذَة النُّقَّاد أَهْل الهُدَى
والسَّدَاد فَدَحروا حِزْبَ الشَّيْطان وفَرَّقوا بَيْن الحَقِّ والبُهْتان.
وَقَام كُلٌّ
من عُلَماء المُسْلمين بمَا أنْعَم الله عَلَيْه وعَلَى المُسْلِمِين؛ فَقَام
أَهْل الفِقْهِ الَّذِينَ فَقهوا مَعَاني القُرْآن والحَدِيثِ، وقَامَ عُلَماء
النَّقل بعِلْمِ الرِّواية والإسْنَاد فَسَافَروا فِي البلاَد وَصَبَروا عَلَى
المَصَاعب الشِّداد ليَحْفظَ اللهُ بهم دينَهُ، كَمَا جَعَل البَيْتَ مَثابَةً
للنَّاس وأمنًا، يَقْصدونه من كُلِّ فَجٍّ عميقٍ، وَكَما حبب إِلَى أَهْل
القِتَالِ الجِهَاد بالنَّفْس والمَال حِكْمةً