· موقف شَيْخ الإِسْلاَم من
خصومه:
قَدْ ظَهرَ
شَيْخُ الإِسْلاَم فِي عَصْرٍ قَد اشتدَّت فيه غُرْبةُ الإِسْلاَم، وتَفرَّقتْ
كَلمَةُ المُسْلمينَ، وَظَهرَت الفِرَقُ المُخَالفة لمَا كَانَ عَلَيْه السَّلفُ الصَّالحُ
فِي العَقَائد والفُرُوع، وخَيَّم الجُمودُ الفكريُّ والتَّقليدُ الأعْمَى فأَثَّر
فِي الجوِّ العلميِّ؛ ظَهَرتْ فِرَقُ الشِّيعَة والصُّوفيَّة المُنْحَرفَة
والقُبُوريَّة، ونُفَاة الصِّفَات والقَدَريَّة، وَطَغى عِلْمُ الكَلاَم
والفَلْسَفة حَتَّى حلَّ محلَّ الكِتَابِ والسُّنَّة لَدَى الأَكْثر من
المُتَعلِّمين فِي الاسْتدلاَل، هَذَا كلُّه فِي دَاخل المُجْتَمع الإِسْلاَميِّ
فِي ذَلِكَ العَصْر، ومن خَارج المُجْتَمع تَكَالَب أعْدَاءُ الإِسْلاَم، فَغَزوا
المُسْلمينَ فِي عُقْر دَارِهم فَجَاءت جُيُوشُ التَّتار تُدَاهم ديارَ
المُسْلِمِين وتَفْتك بِهِمْ.
في هَذَا
الجوِّ المُعْتم عَاشَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابن تَيْمية ضياءً لامعًا بعلمِهِ
الأَصِيلِ الغَزير يُدرِّس الطُّلاَّب، ويُؤلِّف الكُتُب والرَّسَائل، ويُفْتي فِي
النَّوَازل والمَسَائل، ويُنَاظر المُنْحرفِينَ، وَيَردُّ عَلَى المُخرِّفينَ،
ويُنَازل الفِرَقَ وَالطَّوَائف، فَيَردُّ عَلَى الشِّيعَة والقَدريَّة، ويَردُّ
عَلَى عُلَمَاء الكَلاَم والفَلاَسفَة، ويردُّ عَلَى المُعطِّلة والمُؤوِّلة فِي
الصِّفَات من الجَهميَّة والمُعْتزلَة والأَشَاعرة، وَيردُّ عَلَى الصُّوفيَّة
المُنْحرفَة وَعَلَى القُبُوريِّين والمُبْتدعَة.
وَيُحرِّك
أَهْل الجُمُود الفقهيِّ، وَالخُمُول الفكريِّ برَدِّ الفِقْهِ إِلَى أُصُوله
الصَّحيحَة، ومَنَابعه الصَّافيَة، وتَصْحيح الصَّحيح، وتَزْييف الزَّائف حَتَّى
أَعَاد للشَّريعة نَقاءَها وإِلَى العُلُوم الشَّرعيَّة صَفَاءها، يظهر ذَلِكَ فِي
مُؤلَّفاته الَّتِي خَلَّفها ثروةً علميَّةً هائلةً.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد