×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقواعِدِه، وتجمَعُ الحقوقَ الَّتِي لله ولعِبَادِه، وتُنظِّمُ مصَالِحَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وبيانُ ذَلِكَ أَنَّ: الحقوقَ قِسْمَانِ: حَقٌّ للهِ، وحَقٌّ لعبادِهِ. فحَقُّ اللهِ: أن نَعبُدَهُ ولا نُشرِكَ به شيئًا، كَمَا جَاءَ لفظُهُ فِي أحدِ الحَدِيثَينِ، وهَذَا معنَى إخلاصِ العملِ للهِ كَمَا جاءَ فِي الحَدِيثِ الآخَرِ. وحقوقِ العبَادِ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وعامٌّ. أمَّا الخَاصُّ: فمثلُ برِّ كُلِّ إنسانٍ والِدَيهِ، وحَقّ زَوجَتِه وجَارِه فهَذِهِ من فُروعِ الدِّين؛ لأَنَّ المُكلَّفَ قد يَخْلُو عن وُجُوبِها عَلَيْه، ولأنَّ مَصْلحتَها خَاصَّةٌ فَردِيَّةٌ.

وأَمَّا الحقوقُ العامَّةُ: فالنَّاسُ فِيهَا نوعانِ: رُعَاةُ ورعِيَّة. فحقوقُ الرُّعَاةِ مُناصَحتُهم، وحُقوقُ الرَّعيَّةِ لزُومُ جمَاعَتِهم؛ فإنَّ مصْلَحَتهم لا تتِمُّ إلاَّ باجْتِمَاعِهم، وَهُمْ لا يَجْتمِعُونَ عَلَى ضلالَةٍ، بل مَصلحَةِ دِينِهم ودُنيَاهُم فِي اجْتماعِهِم واعْتِصَامِهم بحَبْلِ اللهِ جميعًا. فهَذِهِ الخِصَالُ تجْمَعُ أصُولَ الدِّين. وقَدْ جَاءَتْ مُفسَّرَة فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن تميمٍ الدَّاريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. الدِّينُ النَّصِيحَةُ. الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ»  ([1]). فالنَّصيحةُ للهِ ولكِتَابِهِ ولرَسُولِهِ تدخُلُ فِي حَقِّ اللهِ وعبَادَتِه وحْدَه لا شَرِيكَ له، والنَّصِيحَةُ لأئِمَّةِ المُسْلِمينَ وعامَّتِهم هي مُناصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ ولُزُومِ جمَاعَتِهم؛ فإِنَّ لُزُومَ جمَاعَتِهم هي نَصِيحَتُهم العَامَّةُ. وأَمَّا النَّصِيحَةُ الخَاصَّةُ لكُلِّ واحدٍ منهم بعَينِه فهَذِهِ يُمكِنُ بعضُها ويتعذِر اسْتِيعَابها عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (55).