×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

بيَّنَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي هَذِهِ الكَلمَاتِ عَلَى الحَدِيثينِ أَنَّه يجِبُ عَلَى المُسْلِمينَ جماعَةً وأفرادًا الاتِّصافُ بهَذِهِ الخصالِ الثلاثِ الَّتِي تجمعُ خَيريِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ:

الخَصْلَةُ الأُولَى: أن نُصْلِحَ عقِيدَتنَا بأنْ نَعبُدَ اللهَ لا نُشرِكُ به شيئًا؛ لأَنَّ العقِيدةَ هي الأساسُ الَّذِي تُبْنى عَلَيْه جميعُ الأعمالِ فإِذَا صحَّتِ العقِيدَةُ صحَّتْ جمِيعُ الأعمالِ وتُقُبِّلَت، وإن فَسدَتِ العقيدةُ فسَدَتْ جَميعُ الأعمالِ ورُدَّتْ، ولذَلِكَ كَانَ جميعُ الرُّسُلِ يُطَالِبُون أُمَمَهم بإِصْلاحِ العَقيدَةِ قبْلَ كُلِّ شَيْءٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ [النحل: 36] ، وهَكَذَا يَجبُ عَلَى الدُّعاةِ والمُصلِحِينَ أن يَبدَؤُوا بالعقيدَةِ وتنقِيَتِها من الشِّرْكِ.

وقَدْ خالَفَ هَذَا المنهَجَ الَّذِي هو منهجُ الأنبياءِ كَثيرٌ من الدُّعاةِ اليومَ فصَارُوا يُطَالبُونَ بإصلاَحِ جوانبَ من الأعمالِ والتَّصرُّفاتِ ويتركُون جانِبَ العقيدَةِ، وَهُمْ يرون النَّاسَ يقعُون فِي الشِّركِ الأكْبَرِ حولَ الأضْرِحَةِ فِي كَثِيرٍ من البلادِ، ولهَذَا لم تُثْمِرْ دَعوتُهم؛ لأَنَّهُم بمَثابَةِ من يُحَاولُ مُعالجةَ جِسْمٍ مَقطُوعِ الرَّأْسِ! إِنَّ الأُمَّةَ لا تَستَقِيمُ ولا يتوفَّرُ لها الأمنُ والرِّزْقُ حَتَّى تصلحَ عَقِيدَتَها كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٣ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ ٤ [قريش: 3- 4] ، وقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ [النور: 55] .

الخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: ممَّا يرضَاهُ اللهُ لنا أن نَعْتَصِمَ بحُبِّ اللهِ جميعًا ولا نتفَرَّقَ، وحبلُ اللهِ هو القُرآنُ والسُّنَّةُ. والاعتصامُ بهما يعني التَّمسُّكَ


الشرح