وهَذَا من
أعظَمِ الفِقْهِ فِي الدِّينِ، والمرفوعُ أحَقُّ وأصْدَقُ؛ فإنَّ من أرضَى اللهَ
بسَخَطِهِم كَانَ قَدْ اتَّقَاهُ وكَانَ عبدًا صالحًا، واللهُ يتولَّى
الصَّالِحِينَ وهُوَ كافٍ عبْدَهُ: {فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ
ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ
بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ
يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ
مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ
إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣﴾ [الطلاق: 2- 3] ،
فاللهُ يكْفِيه مُؤنَةَ النَّاسِ بلا رَيبٍ، وأَمَّا كونُ النَّاس كُلِّهم
يرضَوْنَ عنه فقَدْ لا يحصُلُ ذَلِكَ، ولكن يَرضَونَ عنه إِذَا سَلمُوا مِنَ
الأغراضِ، وإِذَا تبيَّنَ لهُم العَاقبة.
ومن أرضَى
النَّاسَ بسخَطِ اللهِ لم يُغْنُوا عنه مِنَ اللهِ شيئًا كالظَّالِمِ الَّذِي
يعضُّ عَلَى يديه يَقُولُ: {وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ
يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا ٢٧ يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ
فُلَانًا خَلِيلٗا ٢٨﴾ [الفرقان: 27- 28] ، وأَمَّا كونُ حَامدِه ينقَلِبُ ذَامًّا فهَذَا
يقَعُ كثيرًا، ويحصُلُ فِي العاقِبَةِ؛ فإِنَّ العاقِبَةَ للتَّقْوَى، لا يحصُلُ
ابتِدَاءً عندَ أهْوَائِهِم، وهُوَ سُبْحانَه أعلَمُ.
فالتَّوحيدُ ضِدُّ الشِّركِ. فإِذَا قامَ العبدُ بالتوحيدِ الَّذِي هو حَقُّ اللهِ فعبَدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا كَانَ مُوَحِّدًا، ومن تَوحِيدِ اللهِ وعبادَتِه: التَّوكُّلُ عَلَيْه، والرَّجاءُ له، والخَوفُ منه، فهَذَا يخلصُ به العبْدُ مِنَ الشِّرْكِ، وإعطَاءُ النَّاسِ حُقُوقَهُم وتَركُ العُدوانِ عَلَيْهم يَخلصُ به العبْدُ من ظُلْمِهم، وبطَاعَةِ رَبِّهِ واجْتِنَابِ معصِيَتِه يخلصُ العبدُ من ظُلْمِ نَفْسِه، وقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القدسيِّ: «قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» ([1])، فالنِّصْفَانِ يَعُودُ نفعُهُمَا إِلَى العبدِ، وكمَا فِي الحَدِيث الَّذِي
([1])أخرجه: مسلم رقم (395).