×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 مِنْهُ بالهُدَى والبيَانِ فكيفَ إِذَا كَانَ دَلالةُ ذَلِكَ الخطَابِ عَلَى ظَاهِرِه أقْوَى بدرجَاتٍ كَثِيرَةٍ من دلالَةِ ذَلِكَ الدَّلِيل الخَفِيِّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ غيرُ مُرَادٍ؟ أم كَيفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الخفيُّ شبهةً لَيْسَ لها حَقِيقةٌ؟

قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله : فسَلَّمَ لي ذَلِكَ الرَّجُلُ هَذِهِ المَقَامَاتِ.

أي: أنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي طَلَبَ من الشَّيخِ المُناظَرَةَ عَلَى وُجُوبِ تأْوِيلِ الصِّفَاتِ سَلَّمَ للشَّيخِ أنَّ تَأْوِيلَهَا بَاطِلٌ، لأَنَّهُ لَم يُبِنْ عَلَى أصُولٍ صَحيحَةٍ وأَدِلَّةٍ مُقْنِعَةٍ، وإِنَّمَا شُبُهَاتٍ وأهْوَاءٍ أو تَقْلِيدٍ أعْمَى، أخَذَهُ الآخَرُ عَنِ الأَوَّلِ من غيرِ بصِيرَةٍ كَمَا هُو حَالُ كَثِيرٍ من المُعَاصِرِينَ الَّذِينَ أخَذُوا عَقِيدةَ المعتزلَةِ أو الكلابِيَّةِ وسَمَّوهَا عَقِيدَةَ التَّوحِيدِ أو عِلْمَ التَّوحِيدَ، ونَسَبُوهَا ظُلمًا إِلَى الأشْعَرِيِّ وهُو قَد تابَ منها والتَزَمَ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وهَذِهِ العقيدةُ الَّتِي تَوارثَها لا تَعْدُوا إثْبَاتَ تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، ولم يُثْبِتُوه تَامًّا، بل حَذَفُوا مِنْهُ الصِّفَاتِ الإلهِيَّةِ أو الأسمَاء والصِّفَات؛ فأَصْبَحَ تَوحِيدًا ناقِصًا لا يَزِيدُ عن تَوحِيدِ المُشْرِكينَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بالرُّبوبِيَّةِ.

قَالَ الشَّيْخُ: ونَحْنُ نتكَلَّمُ عَلَى صِفَةٍ من الصِّفَاتِ ونجْعَلُ الكَلامَ فِيهَا نَمُوذَجًا يُحْتذَى عَلَيْه، ونعبِّرُ بصفَةِ اليَدِ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ ُ [المائدة: 64] ، وقَالَ تَعَالَى لإبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ [ص: 75] ، وقَالَ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ [الزمر: 67] ، وقَالَ تَعَالَى: {تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ [الملك: 1] ، وقَالَ: {بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [آل عمران: 26] ، وقَالَ تَعَالَى: {أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا فَهُمۡ لَهَا مَٰلِكُونَ [يس: 71] ، وقَدْ تواتَرَ فِي السُّنَّة مجِيءُ اليَدِ فِي حديثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .


الشرح