فالمفهومُ من
هَذَا الكَلامِ أَنَّ للهِ تَعَالَى يَدَينِ مُختصَّتانِ به ذَاتِيَّتَانِ له
كَمَا يَلِيقُ بجَلاَله، وأَنَّه سُبْحانَه خَلقَ آدَمَ بيَدِه دُونَ
المَلائِكَةِ، وإبْلِيسَ وأَنَّه سُبْحَانَه يقْبِضُ الأرضَ ويَطْوِي السَّماوَاتِ
بيَدِهِ اليُمْنَى، وأنَّ: {يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64] ، ومعنى بسْطِهَا: بذْلُ الجُودِ
وسَعَةِ العطَاءِ؛ لأَنَّ العطاءَ والجُودَ فِي الغَالِبِ يَكُون ببسْطِ اليَدِ
ومَدِّهَا، وتَرْكُهُ يَكُون ضَمًّا لليَدِ إلى العُنُقِ، صَارَ من الحقَائِقِ
العُرفِيَّةِ: إِذَا قيل: هُو مبْسُوطُ اليَدِ؛ فُهِمَ مِنْهُ يَدٌ حَقِيقِيَّةٌ،
وكَانَ ظَاهِرُهُ الجودُ والبُخلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ﴾ [الإسراء: 29] ، ويَقُولون: فُلانٌ جعْدُ
البنَانِ وبَسْطُ البنَانِ، فالقَائِلُ: إنْ زَعَمَ أَنَّه لَيْسَ له يَدٌ من
جِنْسِ أيْدِي المَخْلُوقِينَ فهَذَا حَقٌّ، وإنْ زَعَمَ أَنَّه لَيْسَ له يَدٌ
زَائِدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ السَّبْعِ فهُو مُبطِلٌ فيحْتَاجُ إِلَى تِلْكَ المَقَاماتِ
الأربعَةِ:
أما
الأَوَّل: فيَقُولُ: إِنَّ اليَدَ تَكُونُ
بمعْنَى النِّعْمَةِ والعَطِيَّةِ؛ تسْمِيَةً للشَّيءِ باسْمِ سبَبِه، كَمَا
يُسَمَّى المطَرُ والنَّبَاتُ سمَاءً، ومنه قولُهُم: لفُلاَنٍ عِندَهُ أيَادٍ،
وقولُ أَبِي طَالِبٍ لمَّا فقَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم :
«يَا
رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّدًا |
|
رُدَّهُ
عَلَيَّ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا ([1]) |
وقولُ عُروَةَ
بنِ مَسعُودٍ لأبي بَكْرٍ يَومَ الحُديبيةَ: لولاَ يَدٌ لَكَ عِندِي لَمْ أَجْزِكَ
بِهَا لأَجَبْتُكَ ([2]).
الثاني: وقَدْ تَكُون اليَدُ بمعْنَى القُدْرَةِ تسْمِيَةً للشَّيءِ باسْمِ مُسبِّبه؛ لأَنَّ القُدرَةَ هِي تَحَرُّكُ اليَدِ، يَقُولون: فُلاَنٌ له يَدٌ فِي كَذَا وكَذَا، ومِنْهُ قَولُ زِيَادٍ لمُعَاويةَ: إِنِّي قَدْ أَمْسَكْتُ العِرَاقَ بإحْدَى يَدَيَّ ويَدِي الأُخْرَى
([1])أخرجه: الحاكم رقم (4184)، والطبراني في «الكبير» رقم (5524).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد