×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 فَارِغَةٌ، يرِيدُ نِصْف قُدْرَتِي ضَبْطُ أمْرِ العِرَاقِ، ومنه قولهُ: {بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ [البقرة: 237] ، والنِّكَاحُ كَلامٌ يقَالَ، وإِنَّمَا معْنَاهُ: أَنَّه مقْتَدِرٌ عَلَيْه.

الثالث: وقَدْ يجعَلُونَ إضَافَةَ الفِعْلِ إليهَا إضَافَةَ الفِعْلِ إلَى الشَّخْصِ نَفْسِه؛ لأَنَّ غَالِبَ الأفْعَالِ لمَّا كانَتِ باليَدِ جُعِلَ ذِكْرُ اليَدِ إشَارَةً إِلَى أَنَّه فعل بنَفْسِه، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ [آل عمران: 181] إِلَى قوله: {ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ [آل عمران: 182] .

الرابع: والعربُ تَقُول: يَداكَ أوكَتَا وفُوكَ نَفَخَ، تَوبِيخًا لكُلِّ مَن جَرَّ عَلَى نَفْسِه جَريرَةً؛ لأنَّ أوَّلَ مَا قِيلَ هَذَا لمَنْ فعَلَ بيَدِهِ وفَمِهِ.

قلتُ له: «يَقُول الشَّيخُ لمُنَاظِرِه»: ونحْنُ لا نُنكِرُ لُغَةَ العَرَبِ الَّتِي نزَلَ بها القُرآنُ فِي هَذَا كُلِّهِ، والمُتأَوِّلُونَ للصِّفَاتِ الَّذِينَ حرَّفُوا الكَلِمَ عن مواضِعِهِ وألحَدُوا فِي أسْمَائِه وآيَاتِهِ تَأَوَّلُوا قَولَهُ: {بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ [المائدة: 64] ، وقَولَه: {لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ [ص: 75] عَلَى هَذَا كُلِّهِ؛ فقَالُوا: إِنَّ المُرَادَ نِعْمَتَه؛ أي: نِعْمَةَ الدُّنْيَا ونِعْمَةَ الآخِرَةِ، وقَالُوا: بقُدْرَتِه، وقَالُوا: اللَّفْظُ كِنَايَةٌ عن نَفْيِ الجُودِ من غَيْرِ أنْ يَكُونَ هناكَ يَدٌ حَقِيقَةً، بل هَذِهِ اللَّفظَةُ قد صَارَتْ حَقِيقَةً فِي العَطَاءِ والجُودِ، وقولُهُ: {لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ [ص: 75] ؛ أي: خَلَقْتُهُ أنَا وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ يَدٌ حَقِيقَةً، قلت له: فهَذِهِ تَأْوِيلاَتِهم قَالَ: نَعم، قُلْتُ له: فنَنْظُرُ فيمَا قدَّمْنَا:

المَقَامُ الأَوَّلُ: أنَّ لفْظَ اليَدَيْنِ بلَفظِ التَّثنِيَةِ لَم يُستَعْمَلْ فِي النِّعْمَةِ ولا فِي القُدرَةِ؛ لأَنَّ فِي لُغَةِ القَومِ اسْتِعْمَالُ الوَاحِدِ فِي الجَمْعِ كقَولِهِ: {إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ [العصر: 2] ، ولفظُ الجَمْعِ فِي الوَاحِدِ كقَولِهِ: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ [آل عمران: 173] ، ولفظُ الجَمْعِ فِي الاثْنَيْنِ كقَوْلِهِ: {صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ [التحريم: 4] ، أمَّا استِعْمالُ لفْظِ الوَاحِدِ فِي الاثْنَينِ


الشرح