×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقَدِ استفاضَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِه في «صَحِيحِ البُخَارِيِّ» ([1])، وفي كتبِ التفسيرِ وقَصصِ الأنبياءِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا [نوح: 23] : أنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا قومًا صَالِحِينَ في قَوْم نُوحٍ، فَلَمَّا ماتوا عكفُوا عَلَى قبورِهم، ثُمَّ صوَّرُوا تماثِيلَهم فعبَدُوهم، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: «ثُمَّ صارَتْ هَذِهِ الأوثَانُ في قبائِلِ العربِ».

إِلَى أن قالَ رحمه الله : ولا ريبَ أنَّ الأوثانَ يحصلُ عندَهَا من الشَّياطِين وخِطَابهم وتصَرُّفهم ما هو من أسبابِ ضلالِ بنِي آدَمَ، وجَعْلُ القُبورِ أوثانًا هو أوَّلُ الشِّرْكِ، ولِهَذَا يحصلُ عِنْدَ القبورِ لِبَعْضِ النَّاسِ من خطَابٍ يسْمَعُه، وشخْصٍ يرَاهُ، وتصرُّفٍ عجِيبٍ؛ ما يظنُّ أنَّهُ من المَيِّتِ، وقد يكونُ من الجنِّ والشياطينِ، مثل: أنْ يرى القبْرَ قَدِ انشقَّ وخرجَ منه المَيِّتُ وكلَّمَه وعانقَهُ، وَهَذَا يُرَى عِنْدَ قبورِ الأنبياءِ وغيرِهم، وإِنَّمَا هو شيطانٌ؛ فإِنَّ الشَّيطانَ يتصوَّرُ بصُوَرِ الإنسِ ويدَّعِي أحدُهُم أنَّهُ النَّبِيُّ فُلانٍ، أو الشَّيخُ فلانٍ، ويكونُ كاذبًا في ذَلِكَ، والجاهِلُ يظنُّ أنَّ الَّذِي خرجَ مِنَ القبْرِ وعانَقَه أو كلَّمَهُ هو المقْبُورُ، أو النَّبِيُّ أو الصَّالِحُ أو غيرهما.

والمُؤْمنُ يعلمُ أنَّهُ شيطانٌ، ويتبيَّنُ ذَلِكَ بأمورٍ:

أَحَدُهَا: أن يقْرَأَ آيةَ الكُرسيِّ بصِدْقٍ، فإذا قرَأَها تغيَّبَ هَذَا الشخصُ أو ساخَ في الأرضِ أو احتجبَ، ولو كَانَ رَجلاً صالحًا، أو ملكًا، أو جنِّيًّا مُؤْمنًا؛ لَمْ تضرُّهُ آيَةُ الكرسيِّ، وإِنَّمَا تضرُّ الشَّياطينَ، كَمَا ثَبَتَ


الشرح

([1])انظر: صحيح البخاري رقم (4920).