×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 حكَايَتِه المَشهورَةِ حَيْثُ قالَ: كُنتُ مرَّةً في العبادَةِ فرَأَيْتُ عرشًا عَظِيمًا عَلَيْهِ نورٌ، فقَالَ لي: يا عبْدَ القادِرِ أنا رَبُّكَ، وقد حَلَّلْتُ لك ما حَرَّمْتُ عَلَى غيرِكَ! قالَ: فقلت له: أَنتَ اللهُ الَّذِي لا إله إلاَّ هُو؟! اخْسَأْ يا عَدُوَّ اللهِ، قالَ: فتمزَّقَ ذَلِكَ النُّورُ وصارَ ظُلْمةً، وقال: يا عبدَ القادِرِ نجَوْتَ منِّي بفِقْهِكَ وعلْمِكَ، لقد فتَنتُ بهذه القِصَّةِ سَبْعِين رَجُلاً، فقيل له: كيفَ عَلِمْتَ أنَّهُ الشَّيطان؟ قالَ: بقوله لي: حَلَّلتُ لك ما حرَّمْتُ عَلَى غيرِكَ، وقد عَلِمْتُ أن شَرِيعةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تُنسَخُ ولا تُبدَّلُ، ولأنه قالَ: أنَا رَبُّكَ ولَمْ يقْدِرْ أن يقولَ: أنا اللهُ الَّذِي لا إله إلاَّ أنَا.

قالَ الشَّيخُ: ومن هَؤُلاَءِ مَنِ اعتقدَ أنَّ المرئِيَّ هو اللهُ، وصارَ هو وأصحابُهُ يعتقِدُون أنَّهُم يرَوْنَ اللهَ تعالى في اليَقظَةِ، ومُستَنَدُهم ما شَاهَدُوه وهُمْ صَادِقُون فيما يخْبِرُونَ به، ولكِن لَمْ يعلموا أنَّ ذَلِكَ هو الشَّيطَانُ، وَهَذَا قد وقَعَ كثيرًا لطَوائِفَ من جُهَّالِ العُبَّادِ يظُنُّ أحدُهُم أنَّهُ يرَى اللهَ تعالى بعَيْنِه في الدُّنْيَا؛ لأنَّ كثيرًا مِنْهُمْ رأَى ما ظَنَّ أنَّهُ الله، وإِنَّمَا هو شَيطانٌ، وكثيرٌ مِنْهُمْ رأَى من ظَنَّ أنَّهُ نَبيٌّ أو رجلٌ صالِحٌ أو الخضرُ وكَانَ شيطانًا، وقد ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي» ([1])، فهَذَا في رُؤيَةِ المنَامِ؛ لأنَّ الرُّؤْيةَ في المنامِ تكُونُ حقًّا، وتكون مِنَ الشيطانِ فمَنَعَهُ اللهُ أن يتمَثَّلَ به في المنامِ، وأَمَّا في اليقظَةِ فلا يَرَاهُ أحَدٌ بعَيْنِه في الدُّنْيَا.

وأقولُ: ما ذكره الشَّيخُ رحمه الله من أنَّ رُؤْيةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في المنَامِ تكون حقًّا مقيَّدٌ بمن يَعْرِفُ صورةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الحقِيقِيَّة، أمَّا مَن لا يَعْرِفُها حقِيقَةً


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (110)، ومسلم رقم (2266).