وقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ
لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فمدَحَ هَؤُلاَءِ بأنَّهُم لا يستَرقُون؛ أي: لا
يَطْلُبون من أحَدٍ أن يرقِيَهم، والرُّقيةُ من جنسِ الدُّعاءِ فلا يَطْلُبونَ من
أحَدٍ ذَلِكَ.
ثُمَّ نبَّهَ
الشَّيخُ عَلَى روايةٍ مغلوطةٍ في هَذِهِ اللَّفظةِ مِنَ الحديثِ فقَالَ: وقد
رُوِيَ فيه: ولا يَرقون، وَهُوَ غلطٌ، فإنَّ رُقْيَاهُم لغيرِهِم ولأَنفُسِهم
حَسَنةٌ، وكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي نَفْسَهُ وغيرَهُ ولَمْ
يَكُنْ يَستَرْقي، فإنَّ رُقيَته نَفْسَه وغَيرَه من جِنْسِ الدُّعاءِ لنفْسِهِ
ولغَيْرِه، وَهَذَا مَأْمُورٌ به فإِنَّ الأنبياءَ كُلَّهم سَألوا اللهَ ودعوه؛
كَمَا ذكرَ اللهُ ذَلِكَ في قِصَّةِ آدمَ وإِبْرَاهِيم ومُوسَى وغَيرهم، وما
يُروَى أنَّ الخَلِيلَ لمَّا أُلْقِيَ في المنجَنِيقِ قالَ له جِبْرِيلُ: سَل، قالَ:
حَسْبي من سُؤَالِي عِلْمُه بحَالِي، لَيْسَ له إِسْنادٌ معروفٌ، وَهُوَ باطلٌ،
بلِ الَّذِي ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قالَ: «حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ([1])، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قالها إبراهيمُ حينَ ألقِيَ في
النَّارِ، وقالها مُحَمَّدٌ حين: {قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ
قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ﴾ [آل
عمران: 173] ، وقد رُوِيَ أنَّ جِبْرِيلَ قالَ: «هل لَكَ من حاجَةٍ؟ قالَ: أمَّا إِلَيْكَ فلاَ» ([2])، وقد ذكَرَ هَذَا الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ.
وأَمَّا سؤالُ الخليلِ لرَبِّه عز وجل فهَذَا مذكورٌ في القرآنِ في غير موضعٍ فكَيْفَ يقولُ: «حَسْبِي من سُؤَالِي عِلْمُهُ بحَالي»، واللهُ بكلِّ شيءٍ عليمٌ! وقد أمرَ العبادَ بأن يعبُدُوه ويتوكَّلُوا عَلَيْهِ ويسأَلُوه؛ لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ جعلَ هَذِهِ الأمورَ أسْبَابًا بما يرتّبه عَلَيْهَا من إثابَةِ العَابِدِينَ وإجَابة السَّائلين، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يعلمُ الأشياءَ عَلَى ما هي عَلَيْهِ؛ فعِلْمُه بأنَّ هَذَا محتاجٌ
([1])أخرجه: البخاري رقم (4563).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد