×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

أوَّلُ حدِيثٍ ذَكَرْتُه لعَبْدِ الرَّحْمنِ في هَذَا الكِتَابِ، وقَالَ الحَاكِمُ: هُوَ صَحِيحٌ.

قالَ الشَّيخُ: قلْتُ: ورِوَايةُ الحَاكِمِ لهذا الحَدِيثِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ فإِنَّهُ نَفْسُه قد قالَ في كِتَابِ «المَدْخَلِ إِلَى معرفَةِ الصَّحيحِ مِنَ السَّقِيمِ»: عبدُ الرَّحمنِ بن زَيد بن أَسْلَمَ روى عن أَبِيهِ أحَادِيثَ مَوضُوعة لا تَخْفى عَلَى من تأَمَّلَها من أهْلِ الصَّنْعَةِ أن الحَمْلَ فيها عَلَيْهِ.

قالَ الشَّيخُ: وعبدُ الرَّحمنِ بنُ زيدٍ بن أسْلَمَ ضَعِيفٌ باتِّفَاقِهم يغلطُ كثيرًا، وأَمَّا تصحِيحُ الحَاكِمِ لمِثْلِ هَذَا الحَديث وأمْثَالِه فهَذَا أنكَرَه عَلَيْهِ أهْلُ العِلْمِ.

قالَ رحمه الله : وَهَذَا الحديثُ المذكورُ في آدمَ يذْكُرُه طَائِفَةٌ مِنَ المصنِّفِينَ بغَيْرِ إِسْنَادٍ وما هُوَ من جِنْسِه مع زِيَادَاتٍ أخر؛ كَمَا ذكر القَاضِي عياض، قالَ: وحَكَى أبو مُحَمَّدٍ المَكيُّ، وأبو اللَّيث السَّمرقندِيُّ وغيرهما: «أَنَّ آدَمَ عِنْدَ مَعْصيتِه قالَ: اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي - قالَ: ويروى: تُقْبَل تَوبَتِي - فقَالَ اللهُ له: من أَيْنَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا؟ قالَ: رأيتُ في كُلِّ موضِعٍ مِنَ الجنَّةِ مَكْتُوبًا لا إله إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول اللهِ - قالَ: ويروى: مُحَمَّدٌ عبْدِي ورَسُولِي - فعَلِمْتُ أنَّهُ أكرمُ خلْقِكَ عَلَيْكَ فتَابَ عَلَيْهِ وغفَرَ له».

ومثل هَذَا لا يَجُوزُ أن تُبْنَى عَلَيْهِ الشريعَةُ، ولا يحتجُّ به في الدِّين باتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ؛ فإن هَذَا من جنس الإسرائيليات ونحوها الَّتِي لا تُعْلَمُ صِحَّتُها إلاَّ بنَقْلٍ ثَابتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذه لو نَقلَها مثلُ كَعْبِ الأحبَارِ ووَهْبُ بنُ مُنَبِّه وأمثالُهُما ممَّن ينقلُ أخبارَ المبتدأ وقَصَصَ المتقَدِّمِينَ عن أهلِ الكِتَابِ لَمْ يُجِزْ أن يُحتَجَّ بها في دِينِ المُسْلِمِينَ باتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ،


الشرح