×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

منه الدُّعَاءُ والشفاعةُ، ويطلبُ مِنَ اللهِ أن يَقْبَلَ دُعَاءَه وشَفَاعَته، ونَحْنُ نقدِّمُه بَيْنَ أيدينا شافعًا وسائلاً لنا بأبِي هُوَ وأُمِّي صلى الله عليه وسلم ، وَهَذَا الاستشفاعُ والتَّوسُّلُ حقيقَتُه التَّوسُّلُ بدُعَائِه؛ فإِنَّهُ كَانَ يدْعُو للمتَوسِّلِ به المُستشْفِع به، والنَّاسُ يدعُون معه؛ كَمَا أن المُسْلِمِينَ لمَّا أجدبُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عَلَيْهِ أعرابيٌّ فقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، هلكَتِ الأمْوَالُ وانقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ اللهَ يُغِثْنا، فرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يديه وقَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»، وما في السَّمَاء قزعةٌ فنشَأَتْ سحَابَةٌ من جِهَةِ البحْرِ فمُطِرُوا أُسْبُوعًا لا يَرَوْنَ فِيهِ الشَّمسَ، حَتَّى دخلَ عَلَيْهِم الأعْرَابِيُّ أو غيره فقَالَ: يا رَسُول اللهِ انقطعت السُّبُلُ وتهدَّمَ البُنيانُ فادْعُ اللهَ يكْشِفُها عنَّا فرفَعَ يدَيْهِ وقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآْكَامِ وَالظِّرَابِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ,وَبُطُونِ الأَْوْدِيَةِ»، فانجَابَتْ عَنِ المدينَةِ كَمَا ينجَابُ الثَّوبُ، والحديثُ مشهورٌ في «الصَّحِيحَينِ» وغيرهما ([1]).

وفي حَدِيثٍ آخرَ من «سُنَن أبي دَاود» وغيره: أنَّ رَجُلاً قالَ لَهُ: إِنَّا نستَشْفِعُ بك عَلَى اللهِ، ونستشفع باللهِ عَلَيْكَ، فسبح رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رُؤِي ذَلِكَ في وجوه أصحابِه وقَالَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللهُ؟ إِنَّ اللهَ لاَ يُسْتَشْفَعُ به عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ» ([2])، وَهَذَا يبيِّنُ أن معنَى الاسْتِشْفَاعِ بالشَّخصِ في كَلامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هُوَ: استشفاع بدُعَائِه وشَفَاعَتِه لَيْسَ هُوَ السُّؤال بذَاتِه؛ فإِنَّهُ لو كَانَ هَذَا السُّؤالُ بذَاتِه لكَانَ سُؤالُ الخلْقِ باللهِ تَعَالَى أوْلَى من سُؤَالِ الله بالخَلْقِ،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1014)، ومسلم رقم (897).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (4726)، والبزار رقم (3432)، وابن أبي عاصم في «السنة» رقم (575).