×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

لم يأمره بالقضاء ([1])، والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتْها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء ([2])، والذين أكلوا في رمضانَ حتَّى يتبين لأحدهم الحَبْل الأبيض من الحَبْل الأسود لم يأمرهم بالقضاء، وكانوا قد غَلِطوا في معنى الآية، فظنوا أن قوله تعالى: {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ [البقرة: 187] ، هو الحَبْل، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» ([3])، ولم يأمرهم بالقضاء، والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات، والذين صَلَّوْا إلى بيت المَقْدِس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نُسخت بالأمر بالصلاة إلى الكعبة، وصاروا يصلون إلى الصخرة حتَّى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صَلَّوْا، وإن كان هَؤُلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشَرْع منسوخ.

ثم أراد الشيخ رحمه الله أن يُجَلِّي حُكْم هذه المسألة عند العلماء فقال: وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله، هل يَثبت حُكمه في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: قيل: يَثبت، وقيل: لا يَثبت، وقيل: يَثبت المبتدأ دون الناسخ، والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا [الإسراء: 15] ، وفي «الصحيحين» عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : «وَمَا أَحَدٍ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» ([4])


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (332)، والترمذي رقم (124).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (284)، والترمذي رقم (128).

([3])أخرجه: البخاري رقم (1916)، ومسلم رقم (1090).

([4])أخرجه: البخاري رقم (4716)، ومسلم رقم (1499).