×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

الله الذي يعرف الحلال والحرام، وقال رجل للشَّعْبِيّ: أيها العالِم! فقال: إنما العالِم من يخشى الله، وقال عبدالله بن مسعود: كفى بخشية الله علمًا ([1])، وكفى بالاغترار بالله جهلاً.

والنَّوع الثاني من أنواع العلم: العلم بالأحكام الشرعية كما في «الصحيح» عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه تَرَخَّص في شيء، فبلغه أن أقوامًا تنزَّهوا عنه فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ أَشْيَاءَ أَتُرَخِّصُ فِيهَا ؟! وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» ([2])، وفي رواية: «وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» ([3])فجعل العلم به هو العلم بحدوده، وقريبٌ من ذلك قولُ بعض التابعين في صفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: إنْ كان الله في صدري لعظيمًا، وإنْ كنت بذات الله لعليمًا، وأراد بذلك أحكام الله؛ فإن لفظ الذات في لغتهم لم يكن كلفظ الذات في اصطلاح المتأخرين، بل يراد به ما يضاف إلى الله؛ كما قال خُبَيب رضي الله عنه :

وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يشأْ

 

يُبارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ([4])

ومنه الحديث: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه السلام قَطُّ إلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ؛ كُلَّهَا فِي ذَاتِ اللهِ» ([5])، ومنه قوله تعالى: {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ [الأنفال: 1] ، {وَهُوَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ [الحديد: 6] ، ونحو ذلك،


الشرح

([1])أخرجه: البيهقي في «الشعب» رقم (732).

([2])أخرجه: البخاري رقم (5750)، ومسلم رقم (2356).

([3])أخرجه: مالك رقم (641)، والطبراني في «الأوسط» رقم (1923).

([4])أخرجه: البخاري رقم (3045).

([5])أخرجه: البخاري رقم (3357)، ومسلم رقم (2371).