×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقومٌ يَقولونَ: إِنَّ الرَّاسِخينَ فِي العِلمِ يَعْلَمُونَهُ، وكِلا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ، فإنَّ هذا التأويلَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ أو أكْثَرِها وعامَّتِهَا مِن بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَن مَوَاضِعِه مِنْ جِنْسِ تأويلاتِ القَرَامِطةِ والباطِنيَّةِ، وهَذَا هُو التأويلُ الَّذي اتَّفَقَ سَلَفُ الأُمَّةِ وأَئِمَّتُها على ذَمَّهِ وصَاحُوا بأهلِهِ مِن أقطارِ الأَْرْضِ ورَمُوا فِي آثَارِهِم بالشُّهُبِ، وقد صنَّفَ الإمامُ أحمدُ كِتابًا فِي الردِّ على هَؤُلاءِ وسمَّاه «الردُّ عَلَى الزَّنَادَقِةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فيما شَكَّتْ فِيه مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ»؛ فعَاب أحمدُ عليهِم أنَّهُم يُفَسِّرونَ القُرآنَ بِغيرِ ما هُو مَعناهُ، وَلَمْ يَقُل أحمدُ ولا أَحَدٌ مِنَ الأئمَّةِ: إِنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَكُنْ يَعْرفُ معانِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وأحادِيثها، ولا قَالُوا: إِنَّ الصَّحَابَةَ والتابعينَ لهُم بإحسانٍ لم يَعْرِفُوا تفسيرَ القُرآنِ ومعانيِه، كيفَ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بتدبُّرِ كِتابِه! فقال تعالى: {كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ [ص: 29] ، ولم يَقُلْ: بعضُ آياتِه، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ [النساء: 82] ، وقال: {أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ [المؤمنون: 68] ، وَأَمْثَالُ ذلكَ فِي النُّصوصِ الَّتِي تَبيَّنَ أنَّ اللهَ يُحِبُّ أن يَتَدَبَّرَ الناسُ القُرآنَ كُلَّهُ، وأنه جعَلَهُ نُورًا وهُدًى لِعِبادِهِ، ومُحَالٌ أن يَكُونَ ذَلِك مِمَّا لا يُفهَمُ معناه، وقد قَال أَبُو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلمِي: ««حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ؛ عُثمانُ بنُ عفَّانَ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ أنهم قالوا: كُنَّا إِذَا تَعَلَّمنَا مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ لم نُجَاوِزْهَا حتَّى نَتَعَلَّم ما فِيها مِن العِلْمِ وَالعَمَلِ، قالُوا: فتعلمْنَا القُرآنَ والعَملَ جميعًا ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (61)، والطبراني في «الكبير» رقم (1678)، والبيهقي في «الشعب» رقم (50).