×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ثُمَّ بيَّنَ الشيخُ براءةَ السلفِ مِن هذا التأويلِ الذي هو صَرْفُ اللَّفظِ عن معناهُ الصحيحِ إلى معنًى آخَرَ كما يَفْعَلُهُ كثيرٌ مِن نُفَاةِ الصِّفَاتِ، وقال: فإن فُرِضَ أن أحدًا نقَل مذهبَ السلفِ كَمَا يَذْكُرُه - أي مِن هذا التأويلِ - فإمَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلَ المَعْرفَةِ بآثارِ السلفِ كأبِي المَعَالِي الجُوَينيِّ وأبِي حامِدٍ الغَزَالِيِّ وابنِ الخَطِيبِ يَعْنِي الفخرَ الرَّازِي، وأمثالِهِم مِمَّن لَمْ يَكُنْ لهم من المَعْرَفَةِ بالحديثِ ما يُعَدُّون به مِن عَوامِّ أهلِ الصناعةِ فضلاً عَنْ خَوَاصِّها، ولمْ يَكُنِ الوَاحِدُ مِن هَؤُلاءِ يَعْرِفُ البُخارِيَّ ومِسلمًا وأحادِيثَهُما إلاَّ بالسماعِ كما يَذْكُرُ ذَلكَ العامَّةُ، ولا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الحديثِ المُتواتِرِ عِنْدَ أهلِ العِلمِ بالحَديثِ وبَيْنَ الحَديثِ المُفْتَرَى المكْذُوبِ، وكُتُبُهم أصدقُ شَاهدٍ بذلكَ فَفِيها عجائبُ! وتَجِدُ عامَّةَ هؤلاءِ الخَارجينَ عن مِنْهَاجِ السَّلَفِ مِن المُتَكَلِّمةِ والمُتَصَوِّفَةِ يَعْتَرِفُ بِذلِك إمَّا عِندَ المَوتِ وإما قَبلَ الْمَوتِ، هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الأَْشْعَرِيِّ نَشَأَ فِي الاعْتِزَالِ أربعينَ عَامًا يُنَاظِرُ عَليهِ ثُمَّ رجَعَ عن ذَلِكَ وصرَّحَ بِتَضليلِ المعتَزِلَةِ وبالَغَ فِي الردِّ عَلَيهِم، وهَذَا أبُو حامدٍ الغَزَالِيُ معَ فِرطِ ذَكائِهِ وتألُّهِهِ ومعرفَتِه بالكَلامِ والفلسَفَةِ وسُلوكِهِ طَرِيقَ الزُّهدِ والرِّياضَةِ والتصوُّفِ يَنْتَهِي فِي هَذِه المَسَائِلِ إِلى الوقفِ والحَيرةِ ويُحِيلُ فِي آخِرِ أمْرِهِ على طَرِيقِ أَهلِ الكَشفِ، وإنْ كَانَ بعدَ ذَلكَ رَجَعَ إلى طَريقِ أَهْلِ الحَدِيثِ وصنَّفَ «إِلْجَامَ الْعَوَامِ عَنْ عِلْمِ الْكَلاَمِ»، وكذلك أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عمرَ الرَّازيُّ، قال فِي كتابِه الذي صنَّفَهُ في «أقسامِ اللَّذاتِ»: لقد تأملَّتُ الطُّرُقَ الكَلامِيةَ والمَنَاهِجَ الفلسفيَّةَ فما رأيْتُهَا تَشْفِي عَليلاً ولا تَروِي غَلِيلاً، ورَأَيْتُ أَقْرَبَ الطرقِ طريقةَ القُرْآنِ؛ أقرأُ في الإثباتِ: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ [طه: 5] ، {إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ 


الشرح