×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَن رأَى قَولاً عِندَه هُو الصَّوابُ قال: هذا مَذْهَبُ السَّلَفِ؛ لأنَّ السَّلَفَ لا يَقُولُونَ إلاَّ الصَّوابَ، وهذا هُو الصَّوابُ! فهَذا الَّذي يُجَرِّئُ المُبْتَدِعَةَ على أن يَزعُمَ كلٌّ مِنهُم أنَّهُ على مَذْهَبِ السَّلَفِ، فقائِلُ هذا القَولِ قد عابَ نَفْسَهُ بِنَفْسِه حَيثُ انْتَحَل مَذهبَ السَّلَفِ بِلا نَقلٍ عَنْهُم، بَل بِدَعْوَاهُ: أن قولَهُ هُو الحقُّ.

وأّمَّا أهلُ الحَدِيثِ فإنِّمَا يَذْكُرونَ مَذهَبَ السَّلَفِ بالنُّقُولِ المُتَواتِرةِ؛ يَذْكُرونَ مَن نَقَل مَذْهَبَهُم مِن عُلماءِ الإِسْلامِ، وتارَةً يَرْوُونَ قَولَهُم فِي هذا البَابِ، فصَارَ مذهبَ السَّلَفِ مَنقُولاً بإجْمَاعِ الطَّوَائِفِ وبالتَّوَاتُرِ.

ثُمَّ لفظُ التَّجسيمِ لا يُوجَدُ في كَلامِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ لا نَفْيًا ولا إِثْبَاتًا؛ فكَيفَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: مَذهَبُ السَّلَفِ نَفيُّ التَّجْسيمِ أَو إثباتُه، بِلا ذِكرٍ لِذلكَ اللفظِ ولا لِمَعنَاه عَنهم؟

وكذلِكَ لَفظُ التوحيدِ بِمَعْنَى نَفِي شَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ لا يُوجَدُ فِي كَلامِ أَحَدٍ مِن السَّلَفِ، وكذلِكَ لَفظُ التنزيهِ بِمَعْنَى نَفِيِ شِيءٍ مِن الصِّفاتِ الخَبَريَّةِ لا يُوجَدُ فِي كَلامِ أَحَدٍ مِنَ السلَفِ.

نَعَمْ، لفظُ التشبيهِ مَوجُودٌ فِي كَلاَمِ بَعْضِهِم وتَفْسِيرُه مَعَهُ، ويُرِيدونَ بالتشبيهِ تَمثيلَ اللهِ بِخَلْقِه دُونَ نَفْيِ الصِّفَاتِ التي فِي القُرآنِ والحَدِيثِ، ثُمَّ إنَّ هذا القَولَ يَدُلُّ علَى قِلَّةِ الخِبْرَةِ بِمَقَالاَتِ الناسِ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ والبِدْعَةِ؛ فإنَّه قال: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ المُبْتَدِعَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُم عَلَى مَذهَبِ السَّلَفِ؛ فَلَيْسَ الأمرُ كَذَلِكَ، بلِ الطَّوائِفُ المَشْهُورَةُ بالبِدْعَةِ كَالْخَوَارِجِ والرَّوَافِضِ لا يَدَّعُونَ أنَّهُم علَى مَذْهَبِ السَّلَفِ، بل هَؤُلاءِ يُكَفِّرونَ جُمهورَ السَّلَفِ؛ فالرَّافِضَةُ تَطْعَنُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعامَّةِ السَّابقينَ الأوَّلِينَ مِنَ المُهَاجِرينَ والأنْصَارِ، والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الإسلاَمِ، فكَيفَ يَزْعُمُونَ


الشرح