×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقد ذَكَر رحمه الله قاعدةً عَظِيمةً في الردِّ على المُخَالِفِ، وأنَّ الرادَّ يَتَجَنَّبُ السبَّ والشتمَ لأنَّ هذا ليسَ بِرَدٍّ، ولا مِن المُجَادَلَةِ بِالتي هِيَ أحسنُ، وأنه أسلوبٌ مُسْتَهْجَنٌ لا يعجِزُ عنه أحدٌ، وأن الردَّ يَجِبُ أن يَكُونَ بِالدَّليلِ المُقْنِع مَهمَا كانَ الخَصْمُ المَردُودُ عليه، فليتَ بعضَ كُتَّابِ العَصْرِ الذين يَنْهَجُون هذا المَنهجَ المَمقوتَ يَتْنَبِهُون، واللهُ المُوفِّقُ.

ويُواصِلُ الشيخُ رحمه الله ردَّه على ابنِ الجَوزِيِّ فِي إنكارِه على الحَنَابِلَةِ إثباتَ الصفاتِ، فيقُولُ: فأما قولُه إن مِثلَ هَؤلاءِ لا يُحْدَثَّون، فيُقال له: قَد بَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ إلى جَميعِ الخلقِ ليَدعُوهُم إلى اللهِ؛ فمَنِ الذي أَسقَطَ اللهُ مُخَاطَبَتَهُ مِن الناسِ؟ دَعْ مَن تَعْرِفُ أنتَ وغيرُكَ مِمَّن فضَّلَهم اللهُ، ولو أرَاد سَفِيهٌ أن يَرُدَّ على الردِّ بِمِثْلِ ردِّه لم يَعْجِزْ عَن ذَلكَ.

وَكذَلِكَ قولُه: إنَّهُم يُكَابِرونَ العُقُولَ، فنَقُولُ: المُكَابَرةُ للعُقُولِ إما تَكُونُ فِي إثباتِ ما أَثْبَتُوه، وإمَّا أن تَكُونَ في تَنَاقُضِهِم بِجَمْعِهم بَينَ إِثباتِ هَذِه الأُمورِ ونَفيِ الجَوَارحِ، أما الأوَّلُ فبَاطِلٌ فإن المُجَسِّمَةَ المَحضةَ التي تُصَرِّحُ بالتَّجسيمِ المَحضِ وتَغْلُوا فيه لم يَقُلْ أَحَدٌ قطُّ: إن قولَها مُكَابَرةٌ للعُقُولِ، ولا قَالَ أحَدٌ: إنَّهم لا يُخَاطَبُونَ، بل الذينَ رَدُّوا على غَالِيةِ المُجَسِّمَةِ، مثلُ هشامِ بنِ الحَكَمِ وشِيعَتِه لم يَرُدُّوا عَليهِ مِن الحُجَجِ العَقليَّةِ إلاَّ بِحُجَجٍ تَحتَاجُ إلى نَظَرٍ واسْتِدلاٍَل، والمُنَازِعُ لَهُم وإن كَانَ مُبْطِلاً فِي كَثيرٍ ممَّا يُقِرُّ له فقد قَابَلَهُم بِنَظِيرِ حُجَجَهِم، ولم يَكُونُوا عَليهِ بِأَظْهَرَ مِنه عَليهِم إِذ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ حَقٌّ وبَاطِلٌ، فالنُّفَاةُ لا يَزعُمُون أنَّ العِلمَ بِفَسادِ قَولِ المُثْبِتَةِ مَعلُومٌ بِالضَّرُورَةِ ولا أَنَّ قَولَهُم مُكَابَرةٌ للعُقُولِ، وإِنْ شَنَّعُوا عَلَيهِم بِأشيَاءَ يَنْفِرُ عنها كثيرٌ مِن الناسِ، فَذَاكَ لِيَسْتَعِينُوا بِنَفْرَةِ النافِرِينَ عَلَى دَفْعِهِم وإِخمادِ قَولِهم، لا لأنَّ النافِرِينَ


الشرح