×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء السادس

المخلوقات -السماوات والأرض والجبال- آثرت العافية وغلَّبت جانب الخوف﴿فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا [الأحزاب: 72] أي «خفن من تحملها» وعرضها الله على الإنسان آدم وذريته فآثروا جانب الرجاء والغنيمة فتحملوا الأمانة طمعًا في ثوابها﴿وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا [الأحزاب: 72] أي الغالب عليه ذلك. فهذا مما يدل على عظم الأمانة ومكانتها، ثم ذكر سبحانه وتعالى أن الناس بعد تحملها انقسموا إلى ثلاثة أقسامٍ: من ضيعها ظاهرًا وباطنًا وهم المشركون والمشركات وسائر الكفار. هؤلاء ضيعوا الأمانة ظاهرًا وباطنًا ولم يعبئوا بها مع أنهم تحملوها في الأول، والقسم الثاني: من تحملها ظاهرًا وضيعها باطنًا وهم المنافقون والمنافقات، والقسم الثالث: من تحملها ظاهرًا وباطنًا وقام بحقها وهم المؤمنون والمؤمنات فهؤلاء قاموا بالأمانة ظاهرًا وباطنًا وهم أهل الإيمان لكنهم قليلٌ بالنسبة إلى الصنفين السابقين، والأمانة هذه التي عظم شأنها ما هي؟ الأمانة هي جميع ما أوجب الله على عباده أن يفعلوه وجميع ما حرَّم الله على عباده ونهاهم عنه وأمرهم أن يتركوه فهي جميع الأوامر والنواهي. هذه هي الأمانة التي تحملها الإنسان، وهي تشمل جميع التكاليف الشرعية فالعقيدة أمانةٌ بين العبد وبين ربه أن يعبده ولا يشرك به شيئًا، وهذا حق الله على العبيد كما قال سبحانه ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ [الذاريات: 56] وقال سبحانه وتعالى ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ [النساء: 36] فحق الله على عباده أمانةٌ في ذمتهم أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وهذا رأس الأمانات وأعظم الأمانات كما في حديث معاذٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى 


الشرح