×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء السادس

مباركٌ، شهرٌ أنزل الله فيه القرآن ﴿هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ [البقرة: 185]، شهرٌ جعل الله صيامه فريضةً، وركنًا من أركان الإسلام، وجعل قيام ليله تطوعًا، شهرٌ تغل فيه الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره من إشغال العباد عن طاعة الله، وإغرائهم بالمعاصي، شهرٌ تُفتَح فيه أبواب الجنان، وتُغلَق فيه أبواب النيران، فبادروا -رحمكم الله- في اغتنام هذا الشهر، واحمدوا الله عز وجل واشكروه إذ مكنكم من حلوله عليكم ومكنكم من العمل فيه فاغتنموه، فإن كثيرًا من الناس تخترمهم المنون قبل أن يدركوه، ومن أدرك هذا الشهر ومنَّ الله عليه بالاجتهاد فيه بالطاعة فقد حصل على خيرٍ كثيرٍ.

كان ثلاثة مجتهدين في العبادة يتسابقون في الخيرات، فاستشهد اثنان منهم في سبيل الله، وبقي الثالث مات على فراشه فرُئي سابقًا لهما في الجنة، وتعجب الناس من ذلك، كيف الذي مات على فراشه يسبق الشهيدين في سبيل الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ قَدْ عَاشَ بَعْدَهُمَا كَذَا وَكَذَا» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ صَلَّى كَذَا وَكَذَا من الصلوات» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَقَامَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ» ([1]) فهذا يدل على فضل هذا الشهر العظيم، صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فلما نزل أخبر أصحابه بأن جبريل عليه السلام اعترضه وهو يصعد المنبر فقال: يا محمد، من أدرك أبويه أو أحدهما فلا يدخلاه الجنة


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (1403)، وابن حبان رقم (2982)، والبيهقي رقم (6322).