×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء السادس

فلا يتهاون بها ويتكاسل عنها إلا المحروم، وكونه صلى الله عليه وسلم يحيي ليله ويتهجد فيه هذا دليلٌ على ميزة هذه العشر على غيرها من ليالي الشهر، والمسلمون درجوا على هذا من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا يصلون أول الليل بعد صلاة العشاء صلاة التراويح كما في سائر الشهر ثم يزيدون في آخر الليل صلاة التهجد إلى صلاة التراويح فيكونون بذلك قد أحيوا ليلهم اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يطيلون القيام في التهجد ويطيلون الركوع والسجود حتى إنهم يخشون أن يفوتهم السحور، وهم في صلاةٍ وقيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وتلاوةٍ للقرآن، هذا دأب السلف الصالح اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي للمسلمين أن يقتدوا بنبيهم وبسلفهم الصالح، وأن يعملوا لأنفسهم ما يجدونه مدخرًا عند الله سبحانه، فإن الناس إذا جاء موسم طمعٍ وتجارةٍ في هذه الدنيا رأيتهم يتسابقون إليها، ويمضون ليلهم ونهارهم في الحصول عليها، هذا شأنهم مع الحطام الفاني، وأما أعمال الآخرة التي تبقى فإن القليل من الناس هم الذين يهتمون بها والكثير غافلون عنها وهذا من الحرمان والخيبة والخسران، وماذا يستفيد الإنسان من دنياه إذا كانت تمر عليه كما تمر على البهائم إلا أن البهائم غير مكلفةٍ، ومن فضائل هذه العشر المباركة أنها الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ [القدر: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([1]). وهذه الليلة أرجى ما تكون في هذه العشر، فإذا اجتهد المسلم في هذه الليالي فإنه يُرجَى أن تكون مرَّت عليه هذه الليلة وقامها إيمانًا واحتسابًا، فيحصل إذًا هذا الثواب العظيم،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1802)، ومسلم رقم (760).