×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء السادس

الذي أقامه الله فيه، ولِمَا في ذلك من مصلحة المسلمين واستتاب الأمن، فإن وليَّ الأمر جعله الله سبحانه وتعالى حمايةً للمسلمين من التفرق والاختلاف، ومن التفاخر والتباغض بين الناس ومن تسلُّط الظلمة على الضعفاء، وجعله مقيمًا لحدود الله وجعله مقيمًا للجهاد في سبيل الله وجعله حاميًّا لثغور المسلمين يجتمعون عليه ويأتمرون بأمره وينقادون لطاعته إلا في معصية الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» ([1]). ومعنى ذلك أن تجتنب المعصية وأن تطيعه فيما عداها مما ليس هو من معصية الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول السلف: لا دين إلا بجماعةٍ ولا جماعة إلا بإمامةٍ، ولا إمامة إلا بسمعٍ وطاعةٍ. فالإمام له أهميةٌ عظيمةٌ ولهذا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم بادروا بمبايعة الخليفة من بعده قبل أن يجهزوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويدفنوه. ما جهزوا الرسول وغسلوه وكفنوه ودفنوه إلا بعد أن بايعوا الخليفة من بعده. من أجل أن تتم مصالح المسلمين ولا يحصل نزاعٌ ولا فرقةٌ ولا اختلافٌ، وأوصى صلى الله عليه وسلم عند الفتن بالرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتصام بها. ومن الاعتصام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة ولاة أمور المسلمين عند الاختلاف، ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مما يحدث من الفتنة قال حذيفة: بِمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَنْ تَلْزَم جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قلت: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْتَزِل تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ على أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يَأتيك الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ([2]). ففي هذه الآيات والأحاديث الحث على اجتماع الكلمة


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (1095)، والطبراني في « الكبير » رقم (367).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (3411)، ومسلم رقم (1847).