فأما وَسْم
اليهود بالغَضَب، والنَّصارى بالضَّلال، فله أسبابٌ ظاهرة وباطنة، ليس هذا موضعها.
وجماع ذلك:
أنَّ كفرَ اليهود أصلُـه مـن جِهة عـدم العمَل بعلمهم، فهم يعلَمون الحقَّ، ولا
يتبعونه قولاً أو عملاً.
وكُفْر
النَّصارى من جِهة عمَلِهم بلا عِلم، فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من
الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون.
****
المقصود: أنَّ الله وصف
اليهود بالغضب عليهم - وهم الأمّة الغضبيّـة - ووصف النصارى بالضلال، ولذلك أسباب
تتعلق بأفعالهم، وهم على طرفي نقيض، فاليهود مقصّرون، والنصارى غالّون ومتجاوزون،
وخير الأمور الوسط، وهو الذي أرشدنا الله إليه في سؤالنا إيّاه في فاتحة الكتاب
وفي كل صلاة: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا ٱلضَّآلِّينَ
٧﴾ [الفاتحة: 6 - 7]
فهو الطريق الوسط بين الغالي والجافي، الغالي الضال، والجافي المغضوب عليه.
هذه صفة اليهود، يعلَمون، لكنهم
أخذوا العِلم وعطَّلوا العمل، والعلم إنما يُراد للعمل، ولا يراد لذاته، فإذا خلا
من العمل أصبح لا قيمة له، بل أصبح حجةً على صاحبه يوم القيامة؛ لأنَّ الذي يعصي
الله على بصيرة أشدّ من الذي يعصي الله على جهل.
كفر النصارى إنما استحقوه من جهة أنهم أخذوا بالعمل وعطَّلوا العِلم، فعملوا على غير هدًى ولا بصيرة، وزهدوا في العلم
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد