×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

ثم إنَّ الغلوَّ في الأنبياء والصالحين قد وقع في طوائف من ضُلاّل الـمُتعبّدة والمتصوّفة، حتى خالط كثيرًا منهم من مذاهب الحلول والاتحاد مـا هو أقبح من قـول النصارى أو مثله أو دونه.

****

شابهوا النصارى كما شابهوا اليهود من قبل، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم محذِّرًا هذه الأمة أن تفعل فعلهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُه، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1]) أخرجاه في «الصحيحين». حتى كان في الأمة من يقول مثل ذلك في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى آخر هذا الكلام الذي هو شرك بالله عز وجل.

 من هذه الأمة طوائف وقعت فيما وقعت فيه النصارى بغلوهم في أنبيائهم وصالحيهم حينما رفعوهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله فيها، لا سيّما من جهّال المتعبِّدين الذين يعبدون الله على جهالة، والمتصوفة الذين بالغوا في العبادة، وتشدّدوا وتنطّعوا من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قالها ثلاثًا ([2])

، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([3])وقال عليه الصلاة والسلام: «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» ([4])، ولـمّا أراد ثلاثةُ نفر أن يزيدوا في العبادة، فقال بعضهم: أَنَا أُصَلِّي، وَلاَ أَنَامُ. وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا أَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ الثَّالِثُ: أَنَا لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فلما بلغ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3445).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (2670).

([3])  أخرجه: النسائي رقم (3057)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (3248).

([4])  أخرجه: البيهقي رقم (4744).