فكان من هذه
الحكمة أن شرع الله من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالّين،
فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور،
منها:
أنَّ المشاركة
بالهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكـلاً بين المتشابهين، يقود إلى الموافقةِ لما في
الأخـلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإنَّ اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد في
نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع
تخلُّق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضيًا لذلك، إلاّ أن يمنعه مانع.
****
مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ
كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ» «[1]). لكن الردّ على أولئك القوم أنَّ الذي في القلب يظهر على الجوارح، ففساد
العمل وصلاحه ناشئ عن فساد القلب أو صلاحه، فالقلب هو الملك والجوارح الجنود، فإن
طاب الملك طابت الجنود.
المقصود: أنَّ الله بعث نبيه بالحكمة التي هي سنَّته، وكان من هذه الحكمة مخالفة سبيل المغضوب عليهم والضالّين كما قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ [الجمعة: 2]، وقال جل وعلا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُُۚ﴾ [النساء: 113] فالكتاب المنزّل هو القرآن، والحكمـة هي السُنَّة، وهي: ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
الصفحة 1 / 420
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد