×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

ومثل ذلك: ما رواه مسلم أيضًا عن عبـد الله بن رباح الأنصاري: أنَّ عبد الله بن عمرو قال: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، مِنَ الأُْمَمِ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِي الْكِتَابِ»  ([1]) فعلَّل غضبه صلى الله عليه وسلم بأنَّ الاختلاف في الكتاب سبب هلاك مَن قبلنا، وذلك مُجانبة طريقهم في هذا عينًا، وفي غيره نوعًا.

****

  المقصود: أنَّ الاختلاف يؤدي إلى الشقاق والنزاع، ولذلك قال الله جل وعلا: ﴿وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ [البقرة: 176] فلا يجوز للمسلمين الاختلاف في القرآن، وذلك بأن يقول أحدهم: هذه الآية تدلُّ على كذا، ويقول الآخر: الآية الأخرى تدلُّ على نقيض ما دلَّت عليه هذه الآية. فيحصل بينهم اختلاف، وكلام الله لا يتناقض، فإذا أُشكل عليك شيء فلا تتسرّع بالحكم قبل الرجوع إلى الآيات والنصوص الأخرى ليزول ما عندك من الإشكال؛ لأنَّ الآيات يوضِّح بعضها بعضًا ويفسِّر بعضها بعضًا، وإن كنت لا تُحسنُ الرجوع إلى الآيات والنصوص، فتوقّف واسأل الراسخين في العلم.

وأمّا أن يأخذ كل واحدٍ بآية و يقول: هذه تدلُّ على تحريم كذا، ويأتي الآخر ليستدل بها على التحليل، فلا يمكن أن يكون شيء حلالاً في آية، وحرامًا في آيةٍ أخرى، وإنما يكون إشكالاً يزيله أهل العلم بما عندهم من الأدوات الأصوليّة: إما بالجمع بين النصوص والتوفيق بينها،


الشرح

([1])  أخرجه:مسلم رقم (2666).