وهذا القسم الذي
سمّيناه: اختلاف التنوّع وكلّ واحدٍ من المختلفين مصيبٌ فيه بلا تردّد، لكن الذَّم
واقعٌ على من بغى على الآخر فيه. وقد دلَّ القرآن على حمد كلِّ واحدةٍ من
الطائفتين في مثل هذا، إذا لم يحصل من أحدهما بغي، كما في قوله: ﴿مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا
قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ ِ﴾ [الحشر: 5] وقد كان
الصحابة في حصار بني النَّضير قد اختلفوا في قَطْع الأشجار والنخيل، فقطع قوم وترك
آخرون.
وكما في قوله: ﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ
فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ
شَٰهِدِينَ ٧٨ فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ
يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ ٧٩﴾ [الأنبياء: 78 -
79] فخصَّ سليمان بالفهم، وأثنى عليهما بالعلم والحُكْم.
****
فكلٌّ منهما - أي:
المختلفين فيه - على حق لأنه أخذ من الدليل، فليس لخصمه أن يظلمه بأن يخطِّئه، وأن
يحكم عليه بالضلالة والبدعة، أو أشد من ذلك بالتكفير، كما يقع من كثيرٍ من الجهّال
المنتسبين إلى طلب العلم.
قوله: «وقد دلَّ القرآن على حمد كلِّ واحدة من الطائفتين...» أي: أنَّ كلّ من أخذ بوجهٍ من وجوه الدلالة في الدليل الواحد على حق، وكلٌّ منهما محمود ومأجور، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ([1])،
الصفحة 1 / 420
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد