×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

فأمر بمخالفة المشركين مطلقًا، ثم قال: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». وهذه الجملة الثانية بدل من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل كما يقع في المفردات، كقوله تعالى: ﴿يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ ْ [البقرة: 49] فهذا الذبح والاستحياء هو سَوْم العذاب. كذلك هنا هذا هو المخالفة للمشركين المأمور بها هنا، لكن الأمر بها أولاً بلفظ: «مخالفة المشركين» دليل على أنَّ جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، وإن عيّنت هنا في هذا الفعل، فإنَّ تقديم المخالفة علّة تقدّم العامّ على الخاصّ، كما يقال: أكرم ضيفك: أطعمه، وحادثه. فأمرك بالإكرام أوّلاً دليل على أنَّ إكرام الضيف مقصود، ثم عيّنت الفعل الذي يكون إكرامًا له في ذلك الوقت.

والتقرير مـن هـذا الحـديث شبيـهٌ بالتقرير: «لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ»  ([1])، وقد روى مسلمٌ في «صحيحـه» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى وَخَالِفُوا الْمَجُوسَ»  ([2]).

****

  المقصود: أن من جملة المظاهر التي نُهينا عن التَّشبّه بالكفار فيها -سواءً كانوا من المشركين أو من اليهود أو النصارى أو الأعاجم - مسألة اللِّحى والشوارب، فإن فعل هذه الطوائف يعاكس الفطرة وسنّة الرسل التي هي إعفاء اللِّحى وإكرامها وإرسالها، وإحفاء الشوارب،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3462)، ومسلم رقم (2103).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (260).