نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جَحْدُ كلّ واحد من المختلفين ما مع الآخر من
الحق؛ لأنَّ كِلا القارئين كان محسنًا فيما قرأ، وعلَّل ذلك بأنَّ مَن كان قبلنا
اختلفوا وهلكوا، ولهذا قال حذيفة لعثمان رضي الله عنهما: «أَدرِكْ هذه الأمّةَ، لا
تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم» لـمّا رأى أهلَ الشام وأهل والعراق
يختلفون في حروف القرآن الاختلافَ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
****
قوله: «نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد...» هذا هو الاختلاف المذموم،
الذي يجحد فيه أحد الطرفين ما مع الطرف الآخر من الحق، ويحكم عليه بالبطلان، مع أنه
له وجهٌ من الصواب، فالواجب على المسلم قبول الحق ولو كان مع الطرف المخالف؛ لأنَّ
الحق بغية المسلم، وليس بُغيته الانتصار لنفسه، والله سبحانه قد ذمَّ اليهود لما
عرفوا الحق وردَّوه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ
أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا
وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡ﴾ [البقرة: 91] فهم أنكروا الحق الذي مع غيرهم تكبّرًا
وبطرًا وعنادًا، وقَصَروا الحق على ما معهم فحسب.
وممّا لا شكَّ فيه
أنَّ مخالفك قد يكون معه حقٌّ وباطل، فالواجب على المسلم أن يقبل الحق ويردَّ
الباطل، أما أن يدفعه التعصب أن يرد الحق والباطل، فهذا ليس من خلق المسلم.
قوله: «لأنَّ كِلا القارئين كان محسنًا فيما قرأه...». يعني: أنَّ كلًّا من ابن مسعود والرجل الآخر كان مُحسنًا فيما قرأ، فكلٌّ قرأ كما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم. والقرآن الكريم له قراءات ثابتة.
الصفحة 1 / 420
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد