×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

فإذا كان هذا التداعي في هذه الأسماء، وفي هذا الانتساب الذي يحبّه الله ورسوله، فكيـف بالتعصّب مطلقًا، والتداعي للنسب والإضافات التي هي إما مباحة، أو مكروهة؟ وذلك أنَّ الانتساب إلى الاسم الشرعي أحسن من الانتساب إلى غيره، ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق، عن داودَ بن حصين، عن عبد الرحمن بن أبي عُقبةَ، عن أبي عُقبةَ - وكان مولًى من أهل فارسَ - قال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، فَضَرَبْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقُلْتُ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلاَمُ الْفَارِسِيُّ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «هَلاَّ قُلْتَ خُذْهَا مِنِّي، وَأَنَا الْغُلاَمُ الأَْنْصَارِيُّ» ([1] حَضّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الانتساب إلى الأنصار، وإن كان بالولاء، وكان إظهار هذا أحبّ إليه من الانتساب إلى فارس بالصراحة، وهي نسبة حق، ليست محرمة.

ويشبه - والله أعلم - أن يكون من حكمة ذلك: أنَّ النفس تُحامي عن الجهة التي تنتسب إليها، فإذا كان ذلك لله كان خيرًا للمرء.

فقد دلّت هذه الأحاديث على أنّ إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمّه والنهي عنه، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقًا، وهو المطلوب في هذا الكتاب.

****

  إذا كان التداعي بلفظ الأنصار والمهاجرين من باب العصبية والنخوة، فهذا مما يذمّه الله ورسوله، وإن كان اللفظان محبوبين لله ولرسوله، قال الله عز وجل: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (5123).