واعلم أنَّ
أكثر الاختلاف بين الأُمة الذي يورث الأهواء تجده مِن هذا الضَّرب، وهو أن يكون كل
واحدٍ من المختلفين مصيبًا فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئًا في نفي ما عليه الآخر،
كما أنَّ القارئَين كلٌّ منهما كان مصيبًا في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئًا في
نفي حرف غيره. فإنَّ أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجُحود والتكذيب، لا
في الإثبات؛ لأنَّ إحاطة الإنسان بما يُثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه. ولهذا
نُهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله بعضَها ببعض؛ لأنَّ مضمون الضرب: الإيمان بإحدى
الآيتين والكفر بالأخرى، إذا اعتقد أنَّ بينهما تضادًا، إذ الضدّان لا يجتمعان.
****
قوله: «واعلم أنَّ
أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء...» يعني: أنَّ الاختلاف الذي
وقعت فيه هذه الأُمة غالبه من هذا النوع، وهو إنكار ما مع الآخر من الحق، ولو أنَّ
كلَّ طرفٍ اعترف بما مع الآخر من الحق، ما حصل أَيُّ اختلاف وتضادّ، وإنما يحصل
اختلاف تنوع، لكن لما ظهر لأحدهما أنَّ الآخر مخطئ، وأَنَّه ليس على صواب، حينها
فقط حصل الاختلاف المذموم، فالاختلاف إذا كان من اختلاف التنوع، فإنَّه لا يجوز
الخلاف من أصله؛ لأنَّ كلًّا من الطرفين محق، وقد يكون طرفًا محقًّا من وجهٍ
ومخطئًا من وجه آخر، والطرف الثاني كذلك، فالأصل أن نقبل الصواب، ولو كان مع
المخالف، وأن نترك الخطأ ولو كان معنا، هذا هو الطريق الصحيح، وبهذه الطريقة لا
يحصل نزاع يؤدي إلى المحذور.
قوله: «فإنَّ أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب...». وهذا مثاله الذي وقع بين ابن مسعود والرجل حـين
الصفحة 1 / 420
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد