×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

ثم إنَّ الله حَباه حُسن الاستنباط، وقوة الحجة وفَهْمَ المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، ما جعله لا يأخذ الأقوال بمجرد النقل، وإنما يعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، محتذيًا بذلك حذو الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، فهو يَنْحى منحاهم في اتباع الدليل، ولا ينحى منحى المقلّدين المتأخرين، فلا يأخذ القول إلاّ إذا تبيَّن له دليله من الكتاب والسُّنّة.

ولقد انبرى يدّرس ويفتي، ويقف في وجه المبتدعة في سنٍّ مبكرة؛ لِـمَا منَّ الله عليه من غزارة العلم، وقوة الحجة، وحضور الذاكرة، فلقد عني بالحديث، وحفـظ القرآن، وأقبل على الفقه والعربية، والتفسير، حتى انبهر أهل دمشق لِفرط ذكائه وسَيلان ذهنِه، وقوة حافظته.

والناظر في التاريخ يجد أنَّ أعداءه كثـيرون مِن عصره إلى وقتنا الحاضر، وغالبهم أعداء عقيدة السّلف الصالح، ومن هؤلاء فئة الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم في نَفْي أو تأويل الأسماء والصفات، فلقد انبرى لهم، وبيَّن الحق الذي عليه السّلف الصّالح في هذا الباب، وألَّف في ذلك ودرَّس وناظر، حتى إنهم تكالبوا عليه وألَّبُوا الآخرَين ضدَّه، ووَشَوا به إلى ولاة الأمور، فسُجن مرات عدّة.

ولقد سلكوا معه كل مسلك، وناظروه، ولكن هيهات فإنَّ الله أظهره عليهم بما كان عليه من اتِّباع الحقِّ والانتصار لمنهج السلف الصالح، فدَحَرَ ما معهم من الشُّبه، فلم يجدوا ملجأً إلاّ اللجوء إلى السلطة، فوَشَوا به إلى وُلاة الأمور، فسجنوه، ظنًّا منهم أنهم سيصدّونه عن العمل، فما أفلحوا، بل كـان شغله في السجـن أكثر مـن شغله خارجه، ولهذا يقول: ما يفعل بي أعدائي، فإنَّ طَرْدَهم لي سياحة، وسَجْنَهم خلوة بربي.


الشرح