×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

فهَدى اللهُ الناسَ ببرَكةِ نُبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به مِنَ البيِّنات والهُدى، هدايةً جلَّت عن وصف الواصفين وفاقت معرفةَ العارفين.

****

 لـمّا ذكَرَ رحمه الله حالة العالَمِ في الجاهلية وأقسامهم وتفرُّقَهم وتشتُّتَهم في الأفكار والعبادات والسلوك، ذكر بِعثَةَ النبي صلى الله عليه وسلم التي كان من شأنها أن تُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن العَمى إلى البصِيرة، فَبعثةُ هذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي رحمةٌ للناس جميعًا، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ [الأنبياء: 107]، ورحمة للمؤمنين خصوصًا قال تعالى: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ [آل عمران: 164]، فبعث الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلَّمهم، وإلى قوم لا آدابَ لهم فأدَّبهم، من خلال تعليمه إيّاهم كتاب الله الذي أُنزل عليه، وتبيين معانيه لهم، والمراد بالحِكْمة هنا: السُّنَّة، ففيها غُنية عن حكمة الفلاسفة، فأصبحوا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم - لـمّا آمنوا به واتَّبعوه - سادةَ العالَـمِ عِلمًا وعملاً وحُكمًا، وصار العالمُ كلُّه تحتَ سيطرتهم وتحت أيديهم بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض، قال سبحانه: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ [الأنفال: 26]، حيث كانوا قليلـينَ فكثَّرهم، ومستضعَفِينَ خائفين فقوَّاهُم ونَصَرهم، وفُقراءَ عالةً فرزَقهم من الطيبات، والله منعم يحب الشكر، وأهلُ الشُّكر 


الشرح