×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وقال سبحانه في تمام خبر المنافقين: ﴿كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا ًا [التوبة: 69]. وهذه الكاف قد قيل: إنها رفع خبر مبتدأ محذوف، تقديره: أنتم كالذين من قبلكم. وقيل: إنها نصبٌ بفعل محذوف تقديره: فعلتم كالذين من قبلكم، كما قال النَّمِر بن تَولَب:

كاليوم مطلوبًا ولا طالبًا

 أي: لم أر كاليوم. والتشبيه - على هذين القولين - في أعمال الذين من قبل، وقيل: إنَّ التَّشبيه في العذاب، ثم قيل: العامل محذوف، أي: لعنهم وعذّبهم كما لعن الذين من قبلكم، وقيل -وهو أجود-: بل العامل ما تقدم، أي: وَعَدَ الله المنافقين كوعد الذين من قبلكم، ولعنهم كلعن الذين من قبلكم، ولهم عذاب مقيم كالذين من قبلكم، أو محلّها نصب، ويجوز أن يكون رفعًا، أي: عذاب كعذاب الذين من قبلكم.

وحقيقة الأمر على هذا القول: أنَّ الكاف تناولها عاملان ناصبان، أو ناصب ورافع، من جنس قولهم: أكرمتُ وأكرمني زيد، والنحويّون لهم فيما إذا لم يختلف العامل - كقولك: أكرمتُ وأعطيتُ زيدًا - قولان: أحدهما، وهو قول سيبويه وأصحابه: أنَّ العامل في الاسم هو أحدهما، وأنَّ الآخر حذف معموله؛ لأنه لا يرى اجتماع عاملين على معمول واحد.

والثاني: قول الفرّاء وغيره من الكوفيين: أنَّ الفعلين عَمِلا في هذا الاسم، وهو يرى أنَّ العاملَين يعملان في المعمول الواحد. وعلى هذا اختلافهم في نحو قوله: ﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ٌ [ق: 17] وأمثاله.


الشرح