ولهذا كان
السَّلف يقولون: احذروا من الناس صِنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته
دنياه. وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنَّ فتنتهما
فتنةٌ لكل مفتون، فهذا يُشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ولا يتّبعونه، وهذا
يشبه الضالّين الذين يعملون بغير علم.
****
والخوض إما أن يكون
في العقيدة، كالذين يخوضون في مسائل الإيمان كالمعتزلة والجهمية والأشاعرة وغيرهم
ممّن خاضوا في أمور العقيدة، وكان الواجب عليهم أن يستسلموا ويسلِّموا لما جاء عن
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمور العقيدة، دون أن يطلقوا العنان لعقولهم
متجاوزين النصوص من الكتاب والسُّنَّة، فتعبوا وأتعبوا غيرهم دون أن يصلوا إلى
شيء، ولو قَبِلوا ما جاء في الكتاب والسُّنَّة - كما فعل أهل السُّنَّة والجماعة -
لوفّروا على أنفسهم الجهد والتعب، فهذا خوض الشهوات - والعياذ بالله - والخوض
الآخر هو خوض الشهوات، أي: فعل المعاصي والآثام المحرَّمة، أي: أنهم أعطوا نفوسهم
ما تشتهي من ملاهي الحياة المحرَّمة، فهذا خوضٌ عمليٌّ، وليس اعتقاديًّا وهو أخفّ،
وصاحبه يُسمَّى فاسقًا فِسقًا عمليًا، ينقص به إيمانه.
قوله: «كان السلف
يقولون: احذروا صِنفين...» صاحب الهوى: الذي يخوض في العقيدة، وصاحب
الدنيا: الذي انغمس في شهواته وملذاته.
كما كانوا يقولون: «احذروا فتنة العالم الفاجر...» أي: أنَّ فتنة العابد الجاهل هي فتنة الضالّين، لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد