×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وضرب مثلاً بالدَّواب التي ترتع في الربيع والزهر والعشب، فمنهـا مَن تحسن الرّعي وتصريف ما تأكله، وهي التي تأكل من الخضر والنبات، ثم تترك الرعي، وتستقبل عين الشمس من أجل الحرارة حتى ينهضم ما في بطنها وتبول ثم تقوم وترعى، فهذا المثل يقال لمن يستعمل الدنيا بحكمة ويأخذها برفق، فمثله هذه الدّابّة التي لـمَّا شبعت بركت، واستقبلت عين الشمس حتى تصيبها حرارة الشمس فتهضم ما في بطنها.

فالمقصود: أنَّ طلبة الدنيا شُبِّهوا بالدوابّ التي ترعى، منها دابّة تأكل حتى تموت من التخمة، ومنها التي تأكل قصدًا فتحفظ نفسها، كذلك بنو آدم، منهم من يأخذ من الدنيا بقدر ويستعملها بحكمة، فهذا تكون خيرًا له، ولا يأتي هذا الخير بالشر، وإنما يأتي بالخير، ومنهم الذي يأتيه الشر من الخير، لأنه أساء الاستعمال.

وقوله: «إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ هُو لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ...» المقصود: أنَّ الذي يأخذه بغير حقِّه، أي: من كسب حرام، فإنَّ هذا يُصاب بالجشع وطلب المال بنهم ولا يستريح أبدًا، بل ويكون ماله عليه وبالاً يوم القيامة، كما جاء في الحديث: «حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ» ومنها: «يُسْأَل عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»  ([1]) ففي هذا الحديث التوجيه النبوي الكريم إلى المنهج السليم لطلب المال والتصرف فيه، والتحذير من المنهج غير السليم في ذلك.


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2416)، والطبراني في الكبير رقم (9772).