×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 التي حصل عليها المسلمون، فالرسول خشي على أمته من هذا المال والخيرات التي تأتيهم من أن تفتنهم، وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، حيث يحذرها مما سيقع في المستقبل؛ لكي يكون المسلمون على حذر من شرها ويضعوا هذه الخيرات في مواضعها، وقلَّ من يفعل ذلك، قلَّ من إذا أخذ المال وضعه في مواضعه الشرعيّـة، وإلاّ فمن وضعه في مواضعه الشرعيّـة فإنه يسلم ويغنم، لكن المصيبة مَنْ أَخَذَ هذا المال وعصى الله، فتكون النعمة في حقه نقمة.

ولهذا لـمَّا سأل السائل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوَ يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ لأنَّ زهرة الدنيا ظاهرها الخير والنعمة، فهل يأتي هذا بالشر؟! وهذا من باب سؤال التعجب، أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فظنَّ الصحابة أنَّه أعرض عنه لأنه لم يرضَ سؤاله، في حين أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه لانشغاله بنزول الوحي بالجواب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَى [النجم: 4].

فعلم الصحابة رضي الله عنهم أنه يوحى إليه، لأنه كان إذا نزل عليه الوحي يتصبّب عرقًا من شدة ما يلقى من ثقل الوحي، فلمَّا سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم ومسح العرق قال: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» وكأنَّه صلى الله عليه وسلم من شدّة آثار الوحي نسي السائل، فسأل عنه، ثم كانت الإجابة، وقد حمدَه على سؤاله؛ لأنه سؤال فيه نفع، فقال: «إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ»؛ لأنَّ الأصل في المال أنه خير، ولكنه قد يأتي بالشرِّ حين يستعمله الإنسان في غير موضعه، أما إذا استعمله فيما يجب فإنه لا يكون شرًّا، فالمال ليس شرًّا مطلقًا، وليس خيرًا مطلقًا، وإنما على حسب استعمال صاحبه له، 


الشرح