متعادين يكفّر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا،
فاختلافهم هذا ليس لأجل البحث عن الحق، وإنما سببه اتباع الأهواء والرغبات، فالله
ذمَّ على هذا وتوعّد عليه، ومن أقرب العقوبات وأشدها أنَّ الله أغرى بعضهم ببعض
بالعداوة، فلا تنتهي هذه العداوة في يومٍ، أو في شهر، أو في سنة، وإنما هي مستمرة،
وهذا التنازع الذي يجري بينهم ليس له أساسٌ إلاّ اتّباع الأهواء والشهوات، وهذا لا
ينتهي إلاّ بالتوبة إلى الله، لكن صاحب الهوى قلَّ أن يتوب، وقلَّ أن يرجع إلى
الصواب؛ لأنه لم يترك الحق عن جهل حتى يرجع إليه إذا تبيَّن له، وإنما الحق واضح
وبيِّن، لكنه لا يريده، فيدفعه ويبغضه، فلذلك لا يرجع إلى الصواب، فهذه الآيات
فيها تحذير للمسلمين عن أن يشابهوا أهل الكتاب في اختلافهم حتى لا يصيبهم ما
أصابهم، فالخلاف مستمر بين النصارى إلى يوم القيامة، ولا يزال حتى الآن، والواقع
يشهد لهذا، مع أنَّ المفروض أن لا يختلفوا وأن يجتمعوا على كتابهم، وقـد أمروا
أنَّ يتّبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الرسل وقد بشَّرَ به عيسى
عليه السلام، ولكنهم اتّبعوا أهواءهم وغلبت عليهم شقوتهم.
قوله: «﴿فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53] » هذا وصف لحال أهل الكتاب في تفرقهم وتشتتهم ﴿فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُم﴾ يعني: فاختلفوا ولم يأخذوا بوصية الله سبحانه وتعالى وقد كانوا أمةً واحدة يعبدون ربًّا واحدًا فلما خالفوا تقطّعوا أمرهم بينهم. ﴿زُبُرٗاۖ﴾ أي: كل عنده مؤلفات وكتابات يذم بها الآخر ويمتدح نفسه وما هو عليه، وهذا من تمام
الصفحة 5 / 420
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد